لحظة تأمل وعزاء / بقلم: ذ. عبد الرحيم المعيتيق / المغرب


يرفع رأسه إلى الأعلى، متكئا على سند مؤقت لخيمة تحتوي العزاء. ملامحه نال منها الزمن، ووضعه يأخذ العقل، ويخطف النظر. هو شخص طاعن في السن، ينفرد بلحظة لا يعلم خباياها إلا هو. بينما حشود المعزين تتبادل الحديث على شكل جماعات متفرقة في أمور تخص الدنيا. وبين الفينة والأخرى، تصيح أفواه بعضهم بضحكات تنتشر أصواتها في الأرجاء، معبرة عن خوض عالم خارج السياق. وضعه أربكني، وجعل فضولي الذاتي يتدخل بطرح أسئلة مختلفة الاتجاهات. ربما هو يستحضر لحظة موته، وربما يتذكر ذكريات الفقيد في صغره، أو في لقائه الأخير معه، ولربما يتأمل في مصيره، وفي حكمة الخالق في هذا الكون. بل يتعدى الأمر كل هذا، ويدعو لنفسه بالمغفرة والثواب، وبحسن الخاتمة. هو شخص يبدو عليه الوقار، وتبدو عليه علامات الحكمة المستخلصة من طول العمر. محياه يحكي حكايات السنين البعيدة والقريبة. فقلما أصادف أشخاصا يشبهونه. فهو يجلس في صمت وثبات، ولا يعير لتحركات أهل القرية وللمعزين الاهتمام. همه الوحيد حينها هو تشييع الجنازة، والصلاة عليها، ودفنها في قبرها. فقد تخونه صحته، وتعيقه دون أداء الواجب.
وأنا أتأمل هذا المشهد الرهيب العاكس لقوة الموت، خالجني شعور غريب، اقشعر له بدني، جعلني أفكر في مصيري، وفي مصير كل الحشود الحاضرة. فكل من يتواجد تحت سقف الخيمة، سيتذوق الموت، وسيفارق الحياة.

ذ. عبد الرحيم المعيتيق / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *