الرواية الذاتية – محاولة لمعرفة الذات أم سيرة ذاتية؟ / بقلم: ذ. عبد الكريم حمزة عباس / العراق


الرواية الذاتية أو ما تسمى بالإنجليزية (Auto biography) هي شكل من أشكال كتابة الرواية يتم فيها استخدام تقنيات كتابة سيرة ذاتية خيالية أو دمج عناصر السيرة الذاتية والخيالية معا، حيث يمكن للمؤلف أن يعبر عن تجاربه ومشاعره بأسلوب روائي مثير.
يرى بعض النقاد أن الرواية الذاتية تستند على الحقائق والواقع فقط، على خلاف الرواية العادية التي تستند على الخيال أكثر، لأن الرواية الذاتية هي محاولة فعلية لتمثيل حياة المؤلف، بينما يرى آخرون أن الرواية الذاتية ربما تمثل حياة المؤلف إلى حد ما من خلال تقديم شخصيات قد تكون مركبة من جانب المؤلف ولكنها قد لا تتوافق تماما مع شخصية المؤلف الحقيقية.
ومما يجدر الإشارة إليه أن الكثير من الإثارة والتشويق في سرد الرواية الذاتية يعتمد على هذا التطابق ما بين حياة المؤلف وشخصيات الرواية الذاتية.
يعرف البعض الرواية الذاتية بأنها (ميثاق ما بين القارئ والمؤلف).
ومن الصعوبات التي تواجه المؤلف في هذا النوع من الروايات هي رغبة الكاتب في التقاط التجارب المعاشة بأكبر قدر ممكن من الدقة وترجمتها على الورق، وفي نفس الوقت حاجته الماسة إلى الحفاظ على خصوصيته الشخصية، فالحقيقة المجردة شيء والحقيقة الأدبية شيء آخر.
والمعروف أن الحقيقة والخيال متعارضان في ثنائية ثابتة، ولكن هذا لا يعني أنهما لا يمكن أن يلتقيا ويختلطا، لأن الخيال هو أسلوب يستخدم تقنيات معينة لمواكبة الواقع وتشكيله بتفاصيل وفقا لخيال الكاتب.
وغالبا ما يبدو أن هناك خط فاصل واضح ما بين التجارب المعاشة للمؤلف كحقيقة والرواية الذاتية كخيال.
وفي هذه الحالة يجب على كاتب الرواية الذاتية أن يخلق شيئا دقيقا ومكثفا من شأنه أن يملأ الفراغات الموجودة في الواقع المعاش أو الحدث التاريخي.
أن سرد الرواية الذاتية ممكن أن يكون بضمير المتكلم حيث يقيم الكاتب علاقة مباشرة مع القارئ وهذا النوع يكون أصعب من السرد بصيغة الغائب أو صيغة الشخص الثالث، حيث تبدو المسافة في النوع الأول قصيرة جدا ما بين ما هو مكتوب على الورق والحقيقة المعاشة للكاتب، بينما السرد بضمير الغائب يعطي الكاتب أكثر مرونة في التعبير لأنه يضع حاجزا ما بين شخصيات الرواية والكاتب من جهة وبين القارئ والكاتب من جهة أخرى.
بينما الكتابة باستخدام صيغة الشخص الثالث تمكن الكاتب من سرد التجارب التي عاشها كأنها حدثت لشخص آخر.
أن نجاح الرواية الذاتية يعتمد على مدى الحقيقة التي يرويها المؤلف عند ذكر فترة معينة من حياته بالإضافة إلى الطريقة التي يتم فيها سرد تلك الفترة، وهما اللذان يجعلان القارئ يقدم تصوراته عن حياة المؤلف.
أن الرواية الذاتية هي أسلوب كتابة يتضمن تجارب وأحداث من الحياة الواقعية، مع اضافة عناصر من الخيال، وفي هذا النوع من الرواية يستخدم المؤلف بعض التفاصيل من حياته الخاصة كأساس للسرد أو الأحداث لإنشاء حبكة أكثر تشويقا، حيث يتحدى هذا النوع من السرد المفاهيم التقليدية للحقيقة والواقع من خلال تزامن الحقائق الذاتية مع العناصر الخيالية، وقد يتناقض الإثنان في السرد لخلق معنى أو استكشاف موضوعات و حقائق أعمق، أو ربما هي محاولة من الكاتب للتعرف على نفسه أكثر والاقتراب منها ومن محيطه والرغبة في لمس الفرق بين ما كان وما أصبح عليه.
إن الرواية الذاتية لا تكمن أهميتها في رفض مخالفة الافتراض التقليدي بوجود حد فاصل ما بين الواقع والخيال بشكل مطلق، وإنما في استكشافها لمزيد من الاحتمالات في ظهور أشكال جديدة من الإبداع الروائي.

ذ. عبد الكريم حمزة عباس / العراق



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *