صورة في بيت أبي (قصة قصيرة) / بقلم: ذة. سعيدة محمد صالح / تونس


-برداء من صوف، يميل إلى البيج، ونظّارات من بلور متدرّج البنيّة، تجتاز حاجز المحطّة، تضع حقائبها في صندوق سيّارة الأجرة، تصعد بسرعة، تستلقي على المقعد الخلفي، بدمعات ساخنة تكفكف وجعها،
يا للقدر!
لماذا خرج من الحياة، دون أن يسلمني مفاتيح أسراره الكثيرة، لم أخفى كلّ شيء عنّي، وأخبر به تلك المرأة الدّائمة الصّمت، حتى أنّي أخالها بكماء! وهي في الحقيقة قاموس لغة يتنفس!
-سأعود إليها وسأسعى لأن تحدّثني عنّي وعنه وعن جدّتي الأولى!!
لم تردٌ على سؤال السّائق
إلى أين مدام؟! غارقة في الاحتمالات لم تجبه، لذلك وفي المرّة الثانية، رفع صوته قاطعا انغماسها فيما تركت وراءها هناك بين أزّقة مدينة،
أجابته بارتباك:
عذرا سيدي، الى وسط المدينة، حيث صيدليّة “سليمة”،،،
ردّ عليها: إن شاء الله مدام، لم تكترث لجوابه كانت مشغولة بإعلام إحداهنّ بقدومها!
-عندما وصلت نزلت بتثاقل من أرهقه مشوار التفكير في أمر ما!!
وجدتها بطيفها الجميل، على جانب الطّريق تنتظرها،
ما إن رأتها حتّى انطلقت نحوها تشقّ نسيم المساء الصّيفي،
ارتمت بين أحضانها، طال عناقها لوالدتها التّي رعتها كملاذها الوحيد،،، كأنّها تقول لها كفّي عن البحث!
ها أنا كلاهما!!
ثمّ مدٌت يدها لحقيبة الأدباش المجرورة وتوجهت بها نحو سيّارتها،،، وبيدها الأخرى تمسك امرأة رافقها التّيه منذ الولادة.
فتحت لها الباب الأماميّ، وكعادتها أسندت رأسها على خلفيّة المقعد، وما إن انطلقت السيّارة، وقبل أن تبادرها بالسؤال، مسكت يدها تقبّلها،
-أمّي ماذا وجدت في بيت والدك رحمه اللّه؟!
هل عثرت على مخطوطاته، وحجج الملكيّة؟!
استوت في جلستها أشارت لحقيبة يدها
وهي تقول: كلّ ما تركه محفوظ هنا!!!
لقد أمدّتني تلك المرأة قليلة الكلام مفاتيح البيت؟!
غير أنّي خشيت البحث فيه فهو ساحر، غامض، مخيف، رهيب،،، سأبتعد عنه حتّى أعيد شحن شجاعة مواجهة ما سأجده في أركانه وزواياه وخزائن الخشب المنقوش السّاكنة غرفه.
سأعود حتما لأحتمي بين تلافيف روحه…… التّي لازالت تحرسني أينما كنت، ثم سحبت من جيبها صورة التقطت لامرأة تحتسي القهوة على طاولة
بديكور فنّي قبالة نافذة جميلة المشاهد، ووضعتها أمام أعين سليمة والحيرة والخوف يشحنان سؤالها
-حبيبتي سليمة يا ترى من هذه المرأة،
هل هي عمّتي أم والدتي، أم جدّتي في شبابها..؟!
لقد وجدتها تحت مخدّة أبي…

ذة. سعيدة محمد صالح / تونس



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *