تلويحة منديل الحنان / بقلم: ذ. محمد الكروي / المغرب


والسفر يطرق الباب، بعد اختلاس نظرة النافذة.. تلويحة منديل الحنان، يعج الخيال، وتتناسل الأحلام، وعلى جرة حزم، وتر إلى وترين في الجعبة، قد تفي المدة القصيرة بسماع رنتيهما أو أحدهما، ان لم يحدث توتر، يكون من حظه كل غمزات الجمرة…

مساء الأنوار يا شمسي الساطعة، أقبل الرأس والوجه المشرق واليدين الكريمتين، والى جوارها أركن في حمى من لسعات برد جاف، قلمت أظافره… تسأل عن تعب الطريق، وأهوال الزمن، عن الفراخ ودراستهم، عن الصحة والأحباب، وريا للشوق والاشتياق، وتحاشيا لنسيان ما، تعيد الاسئلة الخاصة بالصغار، نبرة اخرى، وصيغة اخرى، اشد رقة وعذوبة، راعت فيها طراوة تبهج طراوة البراعم تأتأة ونغنغة، مع انثيال فيض من الأماني الغالية والدعوات الصادقة المبهجة للروح… مكدودة تغمض العين، وسط فرحة كبرى، ترف المكان، يسري إثرها مجرى الخيط الأحمر، ذي الدفق المريح المرتاح… الى حلم طفولي يستعجل بزوغ شمس العيد… على مائدة الإفطار البسيطة الدافئة، تجري وديان من الكلام ، أين منه العسل وقفيره!… نحو المقارنة الغائبة ينحاز اللسان، حريرة منسمه، وخضر الموسم عبقة تفوح، هدية نار ودخان عطير… على الضحى يتجدد الحضن والاحتضان، نسيح منعرجات المكان وتجاذبات الزمان، نطل على الاحياء، نتوقف عند الاموات، رحمة ومغفرة.. تقتنصنا الذكريات والحكايات… اف من الحصرة وشحوب الالوان، عنوان وهن وضعف… على مائدة الغذاء، وقبل عتمة النسيان، يتم تدارك بعض الاسئلة الخاصة، فتارة يكون الحسم، وثانية يسود التردد والشك، وثالثة الجزم بعدم التذكر، نظرا لتوالي مطاردة الليل والنهار… وكأس شاي العصر يسبح الهدوء، ثم المرح والهدر… فجأة تتكلم اللحظة مبرزة راحتها ومحاسنها وقلقها.. فالماء والضوء في الحيط… الا ان اللذة والمتعة جرفتهما رمال الزمن.

مع قصر إقامتي، مهما طالت، في مرتع مرح ولهو الأمس، تفتحت الهوية، تتملى نفسها وقدها وعمق جذورها، فعلى الباب ترحاب وسلام وعناق بنكهة شذية… لا أغادر شمسي المنحنية، لها الصور والجلسة الحميمية.. شدق بملك الخضر وتفاح الارض، ومسوك من خوار او قوققه، ومندرين وتفاح، منها الي، ومني اليها…، الى طفل قبل قليل، الذي كانت تعده قبل الأوان من أجل نقش طري…

إبان العشاء الخفيف، نجوب سرر الليالي الفقيرة القنوعة المرتاحة، والكثيرة الشقاء والعمل، من طبخ ونسج وسقاية من العين البعيدة وحطب أبعد، وسراج ليل ذابل، يسانده الموقد شتاء، وازهار السماء صيفا، زينة بلورة فضية، ضجر وتد الام الرؤوف… من هنالك، الى هذا الروض، اتطلع واهتف… في تماس أضمها أتشممها، ومن نسمة وجودها أكحل عيني واملأ رئتي ومسام جسدي، الذي لا يتأخر ان يقلد حركاتها، ان يفوه عباراتها وحكمها واهازيجها الغناء، وحرصا على سلامة عصفورة البراري أماشيها وأريضها خفة خفيفة.

ذ. محمد الكروي / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *