هذه قراءة اولية، في قصيدة الشاعر والاديب الكبير علاء الدين الحمداني الحمداني.
أجول بعيني
شساعة الغابة القصية
قمم الجبال العالية النائية
نهارا ورديا
سكب ملامحه السرمدية
على روح تحلم بانتشاء
مثقل الروض
برائحة البنفسج
بدوري اجول هذه القصيدة، التي جال فيها تضاريس المكان ذي الاختلاف الجغرافي، المتكامل الايقاع.
اجول بعيني
شساعة الغابة القصية
قمم الجبال العالية النائية
طبعا، لا مكان دون زمن، فكلاهما يستدعي بالضرورة الاخر، حتى يكتمل التقاط المشهد:
نهارا ورديا
سكب ملامحه السرمدية
فثنائية الزمن والمكان لا اعتبار لها ولا قيمة، بل لا وجود لها خارج وجود الانسان واحساسه، ذلك ان الانسان هو المحور الذي عليه يدور سر الوجود، فهو الذي يمنح كل ذرات الوجود قيمتها وكينونتها، فلا حياة خارج دائرة الانسان.
على روح تحلم بانتشاء
مثقل الروض
برائحة البنفسج
بعد هذه القراءة الاجرائية المتأملة لجغرافية النص، أعود الى قراءة عمق سطح كل جزء، وكذا علاقته بباقي الاجزاء الاخرى المكونة لوحدة النص وتماسكه.
ففي المقطع الاول الخاص بالمكان نجد تداخل وحضور الزمن وروح الانا العميقة المتجاوزة للعين وجمالها الى الرؤية وثرائها.
ان العين الفنية الجمالية ذات الرؤى الزاخرة بشتى الاوراق الندية، لم يفتها تملي الغابة البعيدة، وقمم الجبال المجاورة لنوافذ الغمام:
اجول بعيني
شساعة الغابة القصية
قمم الجبال العالية النائية
ان هذا المقطع يجلو هدوء وجمال الغابة والجبال على النفس البشرية/ الشاعر، وتخلصها من ادران وضوضاء المدينة، مما اكسبها راحة وتأملا واستمتاعا لذيذا، ينم عن الارتخاء والرعشة والاستمتاع المستحضر للعين والرؤية والاحساس الدافئ:
نهارا ورديا
سكب ملامحه السرمدية
ففي هذا المقطع الثاني، والذي يشير الى الزمن هو بمثابة الدرة في العقد، الذي صاغه شاعرنا ازاهير عطرة طرية هدية جولة غابة وجبال، ود الشاعر لو يبقى هذا الجمال والاحساس الوردي مدى الزمان.
تلك امنية الانسان/ الشاعر لسان الأنا الجمعي، وهي أمنية قديمة وجدت مع ظهور الانسان، الذي تبين ان وجوده على البسيطة جد محدود، مهما طال به العمر، وحتى يمدد من ذكره وذكراه لجأ الانسان الى النقش والاساطير/ جلجاميش والمعمار …
الى هذا الذي سبق، يرمز المقطع الثالث الخاص بالروح وامنياتها العديدة واحلامها الكثيرة التي تريدها عطرة ومعمرة كزهرة البنفسج:
على روح تحلم بانتشاء
مثقل الروض
برائحة البنفسج
أفضت قراءة هذا النص، الى كونه يعرف انسجام وتناغم الأجزاء، التي ارتأينا اجرائيتها لقرائتنا، غير الغافلة بكون النص ترك مفتوح النوافذ، مما سيتيح لنص قراءات تجدد هويته باستمرار، وهذا امر ليس بغريب على نص يعي ارثه الشعري الكبير القديم منه والحديث، على حد سواء باعتباره ينشد لحظة الانا المختلفة المؤتلفة، إضافة اخرى الى مسيرة الحلم الانساني، المتجدد دوما، رغم بعض عثرات الطريق.
في جرسه الخفيف وقاموسه الشعري الظليل ينساب النص كجدول هادئ، يسقي عطش ذرات التيه.
يتميز هذا النص ببساطته وعمقه ونظرته الجمالية الفلسفية التي يستحيل اقتفاء ريحها.
ذ. محمد الكروي / المغرب
18/08/2023