البعض من “كتبة” هذا الزمن اللعين يمعن في تحبير بعض الصفحات اليتيمة الفاقدة للشروط الضرورية تقنيا وجماليا لتصير هذه “النصوص” قريبة من بهاء الكيان الأدبي -شعرا وسردا- هؤلاء يتملكهم عشق أسطوري للهذيان وتبعاً لهذا المسار تصير عملية مسك القلم وتحبير بعض الكلمات في غياب تام لخلفية فكرية وجمالية للكتابة كالذي يزرع الورد في المياه الآسنة…. الكتابة بهذا المعنى، ليست في متناول الجميع، ونقصد هنا العقول التي تنتج افكارا ومقاربات لافته نتيجة الجدل مع الواقع وإرهاصات المرحلة وما تتطلبه من تفكير عقلاني عميق ومنهج جدلي يدور رحاه في لفت الانتباه للقضايا المصيرية والدالة للمواجع والانكسارات والخيبات وما ينتظره المرء هنا وهناك، للخروج من النفق المسدود وصولا إلى بر الأمان. في هذا السباق، لا ولن تستطيع أي انامل تتدعي انها تكتب “نصوصا إبداعية” التحليق في سماء الخلق الفني، طالما انها لم تستوعب الشروط الموضوعية لبناء الكيان اللغوي والأبعاد الجمالية والآفاق المعرفية لنص ادبي، شعري أو سردي، لافت ومبهر ومتجاوز للمالوف….
ما لم تفهمه العقول البسيطة غير المكتوية بجمرات الواقع ولم تدخل إلى حد اللحظة المناطق الموجعة في مسارات الفكر والمعرفة والفلسفة والاجتماع الإنساني، انها خارج السيرورة التاريخية و ما تتطلبه حركتها الدؤوبة من سفر وترحال بين ضفاف الوعي والجدل الخلاق بين الواقع المادي بكل تخومه وتعبيراته وعقلانية التفكير المناهض للوثوقية واليقينية والباحث من الجهة الأخرى عن بوصلة لعشاق التنوير و إعطاء الفكر العاشق للمعنى و بهاء الأقاليم الحالمة بالتحرر والإنعتاق والوقوف على أرض صلبة بعيدا عن اوهام اصنام الفكر الوثوقي الشمولي الرافض للحوار والجدل مع مخالفيه و معارضيه على مستويات العقيدة والايديولوجيا و علاقة النقل بالعقل والتراث بالحداثة والأصالة بالمعاصرة و تكسبر الأنساق من أجل الوصول إلى خطاب فكري عقلاني لا يتصادم تماما مع الهوية في ابعادها المفصلية و يتماهى في الصفة الأخرى مع التنوير والحداثة في سياقاتها الفكرية والمعرفية المتصلة بالقيم الكونية الكبرى.. الحرية والعدالة والمواطنة. كل هذه الأبعاد والمرتكزات التي الأسس الطبيعية لعملية الخلق والإبداع الأدبي، هل تستوعبها العقول التي تتدعي ان لها دورا محوريا في الكتابة وإنتاج نصوص لافتة، والحال ان انساق التفكير لدى هؤلاء لم تخرج من دائرة تفكير القطيع.
إن الكتابة الإبداعية على مدار عصور التاريخ، لم تصل الى هذه المرتبة المبهرة بالادعاء والتطاوس والغرق في مياه الأوهام، بل كانت نتيجة طبيعية لعمل دؤوب قامت به عقول مستنيرة مناهضة للظلام بكل تعبيراته وتجلياته المتصلة بالفكر الوثوقي واليقيني الرافض للحوار والجدل.
ما ينتظره الآن، المشهد الثقافي العربي في علاقة بثقافات امم أخرى من العالم الفسبح، هو العمل بشكل جدي ونوعي لانتاج إبداع ادبي يوازي ما انتجته العقول المبدعة لهذه الأمم، شرقا وغربا، جنوبا وشمالا… إن الأفكار المتسمة بالعمق المعرفي والفلسفي “ليست في متناول انصاف المواهب ومثقفي العشق الخرافي للمال وللغنيمة والجنس، بل هي نتاج طبيعي لعقول مؤمنة بقضايا الإنسان في كل مكان على اختلاف الأديان والحضارات والأعراق.
أ. البشير عبيد / تونس
كاتب مهتم بقضايا التنمية والمواطنة والفكر التنويري وإشكاليات النزاعات والصراعات الإقليمية والدولية…