يتصدع جبل الصمت من ذكر اسمه، وظلال الخنوع تخسف بهسيس خطوه، لا مجال هنا للإحتراب حول إثبات مصداقيته وصدقه للوطن ولا لمشروعية خطابه او حتى كينونته السياسية فهو أكبر من اي سجال سياسي في البدء خاسر،
اذ هو اشبه بفكرة في نشأتها وامتدادها، أقرب الى الحقيقة في عريها، وفي نظافة الذمة عفيف اليدين.
“لا اريد الريع الذي يستفيد منه البعض دون القيام باي عمل أو خدمة”
هكذا صدح ذات شموخ في وجه فلول المنتفعين، غربان السحت، الذين تزملوا عنوة بوشيح البياض المبطن بسواد السريرة، وهموا خلسة لاقتسام غنيمة الوطن دون حياء.
“اتساءل عن معتقل ببلادنا اسمه تازمامارت”
أقف دقيقة صمت عند كل محطة من مراحل حياة هذا الحكيم الضالع في صمت الكلام، يأسرني أصيل معدنه الذي يتجاوز في صلابته قوة الجمر والرصاص، وهو يعبر بلا حذر تخوم اللامتوقع صوب اعالي التحدي، متجاوزا الأسلاك الشائكة، ليجهر بما لا يجهر
في حضرة المهابة
هكذا وجدتني مشدوها امام قامة بصمت تفردها بإحساس ثوري طاعن في النضال، موغل في عمق القضايا الوطنية حد الانبهار.
فمن العمل السري الى ضفاف الشرعية، ومن اقاصي الجنوب الى أقصى اليسار، مرورا بهجير الفيافي ومنافي الاغتراب، ارتحل محمد بنسعيد ذات زمن نحو حلمه الكبير في بناء مغرب اخر.. مغرب الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية، وفي جعبته الكثير من الحب لهذا الوطن.
اذ سعى بكل ارادة إلى تجميع شتات الرفاق موقنا ان الطريق شاق، وان الوحدة قوة، والتشرذم ضعف
فكانت محطة 23 مارس قاعدة للانطلاق نحو الامام، والاعلان عن تأسيس منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بمعية رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه رجال بصموا تاريخ المغرب الحديث
فكانوا منارة شعب وأمة
ثم سعى بعده إلى وفاق شامل بين احزاب الكتلة الوطنية أدى إلى ميلاد لحظة لا تعاد من عنفوان المرحلة.
“نحن فخورون بالقول إننا ساهمنا في هذه المؤسسات دون أن نفقد أخلاقنا وروحنا.”
اتذكره وهو يعبر مخيلتي في احدى أبهى مشاهد ألقه وشموخه اثناء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الاستثنائي لليسار الاشتراكي الموحد سنة 2005، والذي كان قد تُوج بوحدة واندماج فصائل اليسار وهو يتقدم بخطى واثقة، إلى المنصة لتناول الكلمة، مكسرا إشكالا مزمنا في الحياة السياسية المغربية، يتجاوز ثوابت وتحولات علاقة الشيخ بالمريد،
تاركا خلفه وصاياه شموعا تنير هذا الطريق.