قراءة في ديوان شعري “وأقشر قصائدي فيك” للكاتبة العراقية “رند الربيعي” / الصادر عن دار تأويل للنشر والترجمة، عام 2021 / بقلم: ذة. باسمة العوام / سوريا



وأنت تقلب صفحات هذا الديوان، بعد أن تتأمل وجه هذه المرأة على غلافه، سترى “رند الربيعي” وهي تمشي على راحتيّ الطريق، تقشّر قصائدها في أحضان الوطن والأم والحبيب، بين أشجار النخيل وفي أغوار الأرض لتجعل من الحفر أبراجا شاهقة تعبق برائحة الضوء ونسيم العينين ونبض القلوب.

-“وأقشر قصائدي فيك”، كتاب للحياة نسجت سطوره “رند الربيعي” بين ثنايا عقلها وقلبها كي يهدأ الصخب بين الحروف وتختبئ قصاصات الذاكرة في جلد الليل.
كلمات تحبل بكل المشاعر والأحاسيس ، لتلد على أبواب الدلالات والمعاني.

-مئة وأربع عشرة صفحة (114)، وخمسون عنواناً لنصوص تتلاقى فيها الأقدام والصور بألوان الغروب وألحان تعزفها عيون المدى وعطر يتسلل عبر نوافذ الأيام ؛ والإهداء إلى:

“إلى…
كل نخيل الأرض
من أول نخلة زرعت في قلب هذا العالم
وحتى أمي التي شاخ جريدها وما انحنت أبدا
.
.
.
كن بخير.”

-ثم عناوين متعددة ونصوص متنوعة تثير فضول القارئ للتعمق فيها والتمعن أكثر لاستنتاج معانيها، ودلالاتها، ورمزية صورها؛ اختارت الشاعرة العنوان الثامن والثلاثين منها عنوانا لديوانها “وأقشر قصائدي فيك” فنقرأ منه:

☆☆ص 84….

“حين اقشر قصائدي فيك
أعشق جبنكِ،
خوفكِ، حياءكِ
طفولتكِ
أكره النساء المزدحمات،
أنت كالصرخة الأولى
في الإنسان الأول
في الكهف الأول
اقشر فيك قصائدي
أستل نظراتي من أنهارها الأولى
فتقترح الطيور سماوات تسعاً
وأرضين سائحة في ملكوتكِ….”

-كلمات موجهة لأنثى على لسان الشاعرة. كلمات العنوان المدونة على الغلاف تحت صورة تلك المرأة. صورة لأنثى بعين واحدة، شوّهتها خطوط وألوان تعكس الكثير الكثير من عالمها، وتحتاج عالماً آخر من التعابير والمفاهيم والمدركات الحسية والعقلية والوجدانية للكشف عن تفاصيلها، ومايربطها بما تقدم في الإهداء الموجه إلى الأم النخلة الأولى والوطن بنخيله ثم عبارة “كن بخير” بعد مسافة من النقاط وكأن الشاعرة أرادت أن تختصر كل الأشياء في تلك الكلمات.


*******


من عنوان إلى آخر، نمتطي صهوة الخيال لنعدو مع شاعرتنا في رحاب عالمها الواسع، تفتح لنا نوافذ الأمس واليوم والغد مع الواقع والأحلام وآمال وذكريات احتضنتها سطورها فكانت كما يلي:

“ذاكرة / قبلات معلقة / خطوة واحدة / نوع آخر من الهواء / اختراعات / موعد مع ظلي / سراب / أسابق زمنا منكسراً / حقائب لسفر كاذب / ذلك اللقاء لا ريب فيه / مليكة النخل والطين / جنون النوارس / صروف دهر / أسرار ليل / كلي جرح / الحجر الأبيض/ أحلام هادئة / يا حريمة / موعدي معك / صوت في المرآة / لهيب الأسى / لا.. لن أنكسر / وداعا حسن / قراءة مشطوبة الهوامش / ارتديت الحزن مرتين / العرش / رقم عقيم / هديل مبلل / فوضى الحواس / الفجر القادم / جدائل فتية / أحيانا في علبة سردين / العشاق لايموتون / وأنا أجلس القرفصاء على دكة البنات / من وحي نجمة الصباح / يقرأ النايات عشقا / حين تكون الإناث أنهارا / حين اقشر قصائدي فيك / سوناتا الرجال / سومريات / سومرية بامتياز / خطاب مستعجل / اشطب الليل وأعد تكوينه / احتراقات الأوركيد / حوار بين غيمتين / وطن / تراتيل في حضرة البصرة / رسائل فارغة / كبرياء يشبهني / قصائد في أعذاق الليل.”.

-طاقة إبداعية خلّاقة، وقدرة فائقة على التعبير والغوص في رمزية الحروف ودلالات معانيها، امتلكتها “رند الربيعي”، النخلة الشامخة والسومرية العريقة متجذرة الأصالة، لتنتج تلك القصائد النثرية بشكلها الخارجي المنطوي على كل مايختلج في أعماقها، تقشّرها على الملأ في أحضان الوطن؛ تنبش تاريخه، تعاين أوجاعه، تسامر عشاقه، ترافق أولاده وتغفو على أطلاله.
مضامين إيحائية وصور عميقة بعيدة عن التزييف، خيال وتخييل، واقع مرسوم بكل الألوان، وأفكار مزخرفة بكل الحواس والمشاعر الآنسانية والعاطفة الجياشة. وعبارات لغوية شفافة، مكثفة، بعيدة عن الإطالة والحشو، تربط الذات بمحيطها، تستلهم كل الرؤى والرؤيا لتعكس حياة كاملة وعالماً يحتلها بكل جوانبه.
ومن هذا الديوان نقتبس:

☆☆ص6..

“ذاكرة
حين تظاهرت بنسيانك لقبلة على الشفاه..
كنت أنا غارقة في التذكر
في مكامن البوح
ورذاذ عطر مناديل الليل…”

☆☆ص 11….

“خطوة واحدة
هات يدك
النعش مملوء
شلال جرحى ينزل جماجم
هيا اقفز قفزة واحدة
عند منتصف الجيوب الفارغة
في قلوب مازالت أحاديثها كركرات طفل
وخبزة فقير…..”

☆☆ص15…

“اختراعات
كون الأشياء اختراعا أحيانا
الشاعر يخترع حبيبة على شكل فراشة
يطير معها منتشيا حقل الأزهار
الشاعرة تخترع حبيبا على مقاس صفعتها
ليس على هيئة فاندام مثلا
اليتيم يخترع أبوّة صامتة
وربما
أمّاً على سبيل الفقد……”

☆☆ص25_26….

“حقائب لسفر كاذب
انا.. لست أنا!
هنالك منافي نبوءة نازحٍ،
رسالة ثكلى،
غاب الطريق الطويل،
تعالوا…
نعلن سفرنا الكاذب لها…
حقائب ومسافات،
غرباء برؤوس مثقوبة،
النوافذ مشرعة لرذاذ مطري
زاغ من غيوم تشرينية……”

☆☆ص29….

“مليكة النخل والطين
ياسيدي المبجل هل كتبت قبلي إليك امرأة؟
وأخبرتك أنها الحاضرة والحضارة
وأنها مسلّة زقّورة ، بل أنها تأريخنا عراقة
وشارع الموكب ومواكب العذارى
ذي حضارة وفجرها بغداد
حناؤها البصرة
إكليلها ذي قار……”

☆☆ص58….

“قراءة مشطوبة الهوامش
من الدهاليز المختبئة
تحت صخور الموت
راحت الدماء تلعق أقدامنا
كألسنة حيتان
هكذا نقرأ الطالع في زمن الحرب
نسافر كدخان إلى آخر سماء……”

☆☆ص108….

“رسائل فارغة
أحلامي…
وقد انتظرت عقوداً
لتحرق الذاكرة
وتدون رسائلها الفارغة لترسم أصواتاً تهرول
نحوي….
تقضم نصف ماتبقى
من الصمت
وتحتفظ بالباقي هامشاً …..”

ونبقى مع شاعرتنا في ميادينها وملكوت حروفها، ننتظر فجرا قادماً تنتصب فيه قاماتنا وتشمخ رؤوسنا، فنتوقف بين الصفحتين 70_71 لنقرأ حروفها:

“الفجر القادم
في فجر يتيم
وعويل ثكلى
و دعاء السيّاب يردد لك الحمد
أن الرزايا ندى، وأنينك.. يابلادي يمزقني
يوجعني
حد التسامي
ونخلة الله تبكيكِ (حسب الشيخ)
ومرَّ صيف
والتهم أعجاز شعبي
ومازالت السفينة تنتظر
يركب السيّاب
والنوارس تحلق في شط العرب”


وتنتهي صفحات هذا الكتاب، وتبقى كاتبته مع قصائدها المسجّاة في أغداق الليل عند نوافذ الإنتظار، تنتظر من يقرأ حروفها:

☆☆ص111…..

“قصائد في أعذاق الليل
على نافذة الانتظار؛
أرتدي أشواقي…
تنهش مخالب البرد
روحي المرتعشة
في زوايا النسيان…
تتشابك روحي… فأنثرها
فوق كفيك
قصائد في أغداق الليل……”

ذة. باسمة العوام / سوريا



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *