لا ترهق نفسك في التفتيش في دفتر أيام سنة 2021، هنا نجحت وهنا فشلت وهنا ندمت وهنا فرحت، لأننا سنعود ونخوض غمار سنة 2022 على هذا المنوال.. سننجح ونفشل ونخطئ ونقلق ونصرخ ونشتم ونحلم ونحزن ونغضب ونحب ونكره ونتزوج وننجب ونشتري ونبيع ونسافر ونقوم بحوادث الطرق ونطلق النار ونشعل العنف ونقف احتجاجاً ثم نهدأ.. وتنتهي السنة.
لا ترهق نفسك بجلد الذات.. فنحن نجلد ذاتنا ورجال السياسة يسلخون جلودنا، وبين الجلد والسلخ تتنفس الفضائيات في وجوهنا أخباراً و صوراً تحفر فوق ملامحنا اودية من العجز وآبار من الحيرة الغبية التي لا تستطيع رسم الحدود للخروج من هذه الآبار المسمومة.
“أنت عربي” عليك أن تتحمل رؤية الذين أصبحوا جوقات تتمتع بالغناء التطبيعي، كل جوقة عربية تطبيعيه تنافس الجوقة الثانية، من صوتها أعلى ومن تستطيع أن تركض أكثر على السلم الموسيقى في سباق أغاني التنازلات.
“أنت عربي” عليك أن تشد الرحال إلى واشنطن وتتوضأ بمياه الصمت وتنسى القدس وتصلى عشر ركعات لأن الله منحك نعمة الصلاة في حرم البيت الأبيض.
“أنت عربي” عليك عندما تشاهد الفيديوهات والصور القادمة من مناطق السلطة الفلسطينية، وترى سكان القرى والمدن الفلسطينية يواجهون المستوطنين والجيش الإسرائيلي لوحدهم، أن تحمد الله أن رئيس السلطة الفلسطينية وحاشيته وجيشه في قلاعهم بألف خير.
“أنت عربي” إذن أنت تعيش في معامل تكرير الوجع والمآسي، واحتياطي الدموع أصبح أعلى وأكثر من احتياط الفرح.
“أنت عربي” إذن تخلت عنك رحمة الانظمة وأسقطتك من حساباتها، وأنت بالنسبة لها مجرد رقم في سجلات السكان المعذبين.
“أنت عربي” اذن تنتظر موتك في كل مكان، في المدارس، في المقاهي، في الساحات، في الشوارع.. في كل الوسائل، السيارات المفخخة موجودة والأحزمة الناسفة جاهزة تنتظر “عناتر” هذا الزمن كي يفجرونها للوصول الى الجنة، فالطريق الى الجنة لا بد أن يمر بالجثث والرعب والأشلاء وأرقام القتلى.. وكلما ارتفع الرقم زاد ضجيج الانتصار والتكبيرات وتهاليل الفخر.
“أنت عربي” عليك أن تسمع جميع عبارات العنجهية العالمية، وتتحمل تقاسيم الوجوه الامريكية والاوروبية المحمضة، كل مسؤول ووزير ورئيس أوروبي أو أمريكي يتعامل مع رئيسك وزعيمك كأنه مصاب بمرض الانهزام ويخاف من العدوى، لذلك يعطيه الأوامر من برجه العاجي، فيقوم رئيسك بتنفيذه خاضعاً دون اعتراض.
العربي عام 2021 يصرخ ولا أحد يسمعه، سوى المواقد المشتعلة في عراء البرد وهم يتحلقون حولها، الاطفال والشيوخ والعجزة والنساء، جميعهم يتحلقون حول المواقد ينتظرون اشارة الاستقرار للعودة الى قراهم ومدنهم، الى حقولهم ومزارعهم ومصانعهم.
لا أحد سيسمع العربي عام 2022، لأن ثرثرة اللقاءات أكبر من مصائب الأوطان ومهما صرخت الخطابات وكان رنين صداها جبالاً من التفاؤل، لن تقوم بتدفئة غربة المواطن العربي ومعاناته وتشرده وخوفه واستغلاله وذبح طفولة أطفاله.. النار لا تشفق عليهم، لأن وظيفتها الحرق حتى الرماد.. وهم الآن رماد القرارات ورماد المؤتمرات واللقاءات ورماد مصانع الأسلحة وتجارها.. هم الآن رماد الرماد.