لا أريد أن أكرر كلمات المناجل التي تقص السنابل بحدة الشفرات، ولا أريد أن أجرح القلب الذي خلع ثياب العشق على عتبة الحزن، حتى أصبحت العتبة كعبة الدموع والآهات.
أعترف لا طعم للحزن، لأن حاسة الذوق قد أصابها العطب، لا طعم للحزن بسبب المرار الذي سرق الفرح وأرغمه على الاستسلام للعطب، ولكن أعتبر الحزن ذلك المهرج البشع الذي له ألف قناع وألف مرآة وألف أفعى تحاول أن تزين أشجار الحياة، الحزن المسيطر على مهرجان الرحيل بملامحه الملونة النازفة، مطلوب الآن حياً لكي أنتقم منه، وأقف أمامه وجهاً لوجه وأقول له: لن تنتصر علي، لأن -تميم- في الروح ما زال مستيقظاً هناك!!
ماذا يعني أن يموت زوج الكاتبة؟ يعني أن يغيب السند –الظهر- الذي كلما حاصرتها الأفكار والخيالات وثرثرة الأقلام، وتتدلى من سنواتها عناقيد التعب، كانت تلجأ إلى السند فيعانق معها الأفكار ويأخذها إلى مشوار في شارع الحوار، يجلسان على الأرصفة وعلى تراب الإقناع وتمزيق الأوراق والتفتيش بين غابات الكلمات حتى مطلع الفجر وتنهض الكاتبة -شهرزاد- معلنة أن الصفحات قد انطلقت بسلام، وينظر إليها السند بضحكاته التي تؤكد أنه دائماً يوقع حضوره بابتسامة رضى على كل سطر و صفحة وكتاب.
ماذا يعني أن يموت زوج الكاتبة، معناه الإقامة الجبرية في قفص الذكريات، والذهاب إلى عمق الذاكرة حيث تلتقي بصوته الذي يحثها على الاستمرار في الكتابة، ويغضب إذا انحنت وجعلت ظهرها قوساً للفراغ، يريدها أن تبقى شامخة وكلماتها قوافل الانتصار، تحمل التحدي ولا تخون بريق الحرية وتمشي صوب مواعيد الوفاء.
ماذا يعني أن يموت زوج الكاتبة، معناه خرجت الكاتبة من دائرة تشجيعه وتصفيقه والاعتزاز بها في كل حفل وسهرة ومنصة وميدان، سيغيب بريق نجاحها الذي كان يلمع متوهجاً في عينيه، لا يغار منها ولا يستخف بها، بل كان رمزاً للاعتزاز بكتاباتها ويتباهى بوجودها إلى جانبه في كل مكان.
ماذا يعني أن يموت زوج الكاتبة، لم تعد الأغاني والأفلام التي سمعناها وشاهدناها معاً تغتسل بماء النقاش وتحليل الكلمات والالحان وصدق أداء الممثلين ورحلة النقد تفتقد الآن ثورة الكلام.
ماذا يعني موت الكاتب زوج الكاتبة، أن تبقى قضايا الوطن شاهدة على مرور سنوات النضال، ويبقى القلب مزروعاً في القلق ولم تأت قطارات العدالة، بل جاء طوفان الاستسلام، وتموت وأنت تروي قصص الشعب الفلسطيني المحاصر في شباك الزعماء.
ماذا يعني أن تصدق الكاتبة أن الرحيل مزاج يعبث بأعصابها، وأن حياتها أصبحت محبرة بوسعها تلطيخها بالقهر وقسوة الغياب وتجاعيد الأيام، أو بوسعها تزويدها بالحبر وارتداء معاطف الكلمات في زمن الشتاء الرمادي وليل التيه واكتشاف أبجدية الاشتياق.