ماتت الطفلة الفلسطينية، الغزية “عائشة اللولو” خبر عادي، فكل يوم يطارد الموت الأطفال الفلسطينيين، وأسماء الشهداء الأطفال وصورهم التي تعطرت بالدموع سرعان ما هجرت اللافتات والأوراق المثقلة بنواح الأمهات، واكتفت بالوقوف إلى جانب الشهداء الآباء في مخازن الأيام، نعرف أن أيام المواطن الفلسطيني أصبحت ثرثارة، حيث يعاد يومياً وصف الدم والرصاص والاهانات وإقامة المستوطنات وقلع أشجار الزيتون واستباحة البيوت والشوارع وعربدة الجيش والمستوطنين، وأصبح ارتداء النظارات السوداء من الأمور المتوافق عليها، لأن رؤية الحقيقة سيهز خصر السلام الراقص في بارات العهر العربية والدولية.
أما الطفلة “عائشة اللولو” خمس سنوات، فحكايتها تختصر حكاية الذئب مع ليلى، فبعد عدة فحوصات تبين أن الطفلة “عائشة” مصابة بورم في الدماغ، وقد تنقلت في عدة مستشفيات في غزة، وقد تبين أن المستشفيات في غزة تفتقر للمستلزمات الطبية.
وبعد محاولات إنسانية قدمت “عائشة” إلى القدس ورقدت في أحد المستشفيات، لكن أثناء وجودها في مدينة القدس منع الاحتلال والدة الطفلة من مرافقتها أو والدها أو أحد أقاربها، وأجريت لها عملية جراحية، و بقيت الطفلة في المستشفى تنادي والدتها حتى دخلت في الغيبوبة، وماتت وحيدة، وتم نقل جثمانها إلى غزة. -وأكد كل من حضر وفاتها أنها ماتت وهي تبكي تريد والدتها.
تخيلوا لو عائشة طفلة يهودية في إحدى الدول الأوروبية، وتعاملوا معها بهذا الأسلوب كيف كان العالم سيرد، بالطبع سيخرج العالم قلبه الحنون الدافىء، ويفرشه سجادة أمام وسائل الإعلام، ويبدأ بالبكاء والصراخ على الطفولة المهانة، أما الديناصور العاطفي الاحتلالي الإسرائيلي فسيرتدي عباءة اللطم ويبدأ بالغارات اللفظية والكلامية ضد الفلسطينيين في جميع القنوات والفضائيات التي ستدخل الدورة الدموية لكل مشاهد، والذي سيفك شيفرة الاحتلال ويقوم بإضافة اسمه عليها، مؤيداً لسوطها وعذوبة استيطانها.
هل تذكرون في عام 2001 في الانتفاضة الثانية، حين قُتلت في الخليل الرضيعة “شالهفيت باس” التي كانت تبلغ من العمر 10 أشهر، وكيف قامت قيامة الجمهور الإسرائيلي، وأخذ يتساءل بغضب “كيف تم قتل طفلة” واتهم القناص الفلسطيني بأنه قتلها بشكل متعمد، وأصبحت “شالهفيت” الطفلة الضحية البريئة للعنف -حسب الصحف العالمية- وآنذاك طالب شارون اليهود المستوطنين في الخليل باحتلال حي أبو سنينة، وقد أخذت تردد عائلة الطفلة أن الطفلة لن تدفن حتى يحتل الجيش الحي.
وبقيت السلطات الإسرائيلية تفتش على القناص حتى اعتقلته عام 2004 ويدعى “محمود عمر” وقد حكمت عليه المحكمة الإسرائيلية بثلاثة أحكام بالسجن مدى الحياة. عدا عن القضاة الذين أصدروا الحكم، وقد كتبوا أن القاتل حكم بالإعدام على الطفلة والصورة محفورة في أذهاننا ولا تعطي السلام لأرواحنا. ونعرف أن والد الطفلة انضم لاحقاً إلى جماعة إرهابية يهودية خططت لتفجير مدرسة فلسطينية للفتيات في مدينة القدس وتم القبض عليه بتهمة حيازة كمية من المتفجرات، وقضى عقوبة بالسجن لمدة عامين .
أما الصحف العالمية فقد نشرت قصة الطفلة اليهودية التي قتلت في الضفة الغربية، وفي كتاب “عذاب الأرض الموعودة” انتقد “جوشوا ليفي” الوكالة اليهودية التي قللت من أهمية قتل الطفلة “شالهفيت”. وقد تمت كتابة أغنية لذكراها غناها ” ابراهام فرايد” في حفل موسيقى في الخليل وقد وضع عمدة لندن آنذاك صورة ” شالهفيت ” على مكتبه.
كانت ستي تردد المثل الشعبي “اثنين ما حدا يدري فيهم” “موت الفقير وتعريص الغني” وإسرائيل الغني… وتبقى حكاية الطفل الفلسطيني، الحكاية الاستثنائية في عالم الاحتلال.