لا أحد يستطيع الإنكار أن اختراع الكاميرا غير حياة الانسان، فهي ليست أداة لهو وتسجيل لحظات عابرة، بل تحولت الى جهاز يحافظ على تاريخ الانسان بكافة الاشكال والتصرفات والسلوكيات، واذا قالوا أن الصورة تخلد ثانية.. فإن الصورة فتحت آفاق جميع العلوم البشرية، اشتركت وساهمت في توضيح ورؤية العالم الذي نعيشه، حتى تفوقت الصورة على الكتابة، ولم يعد يقف الحرف شامخاً أمام الصورة، لأن هناك صورة تغني عن مليون كلمة.
كثيراً ما ردد المؤرخون لو كانت الكاميرات موجودة منذ زمن بعيد لتغيرت صفحات التاريخ، ولما كان للكذب والتزييف الدور الكبير في تحريكه، خاصة عند الشعوب التي وقعت تحت الاستعمار والاحتلال والاضطهاد، فقد اختفت صور مقاومتها ودفاعها وصور قادتها، ورغم الوصف من قبل المؤرخين الا أن الصورة لو كانت لتغير كل شيء، لأن كل مؤرخ كان يكتب حسب أهواء وعقلية وتفكير ملكه وزعيمه والعصر الذي يعيشه، ومن النادر ايجاد مؤرخ يتميز بالحق والكتابة الصحيحة، دون الانحياز لطرف معين.
يوما ما عرف شامير رئيس الوزراء الاسرائيلي وعضو حركة الإتسل الارهابية أن للصورة أهمية التاريخية فقال (اقتلوا الفلسطينيين بعيداً عن الكاميرات) لأن الصورة فضحت الاحتلال الاسرائيلي أمام العالم المتضامن والمؤيد لإسرائيل، ودفعت البعض للتساؤل عن معنى التضامن مع دولة تمارس القمع والقتل لشعب آخر، هذه العبارة نبهت وأيقظت وتحولت الكاميرا الى عدو، مما دفع الى قتل عشرات الصحفيين.
أصبح هذا العصر عبارة عن سباق بين الكاميرات، واللقطة المميزة هي التي يعتمدها الانسان وثيقة تؤرخ لمسيرته، والصراع اليوم بين الدول ليس صراع سلاح بل سلاح الكاميرات، يستعرضون عبر الصور الافكار والانجازات والقوة والبطولات، والصورة تلخص كل المواقف السياسية التي يريد أن يتفوه بها الرئيس أو الملك أو الزعيم، واليوم بدأت تظهر التناقضات بين الصورة والخطاب السياسي، الرئيس يحكي كلاما.. والصورة تحكي النقيض.. والشعوب تضيع بين الصور والكلام.
الكاميرا اصبحت اداة اتهام ضد الانظمة السياسية قد تدفع المواطنين للمظاهرات والثورات وقلب النظام، ولا يمكن لأي نظام السكوت حيال أي اتهام توجهه الكاميرا خاصة الدول التي تحاول تطهير نفسها من الاتهامات بعد أن وصلت درجة تلوثها الى نسبة عالية..
واذا كان هذا العصر عصر الصورة لدرجة الاختناق من المراقبة.. حتى اصبحنا محاطين بالكاميرات من كل الجوانب.. أيضاً نؤكد لولا الصورة لضاع منا الكثير.. بالصورة اليوم نثبت الحق ونفتح نوافذ الواقع دون خوف على العبث بصور التاريخ، لأن الكتابة مدعومة بالصور.. قد يقول قائل “قد يزيفون الصور” و نقول نحن سيبقى الأصل.. الم تظهر صور مقتل الثائر جيفارا الحقيقية الآن، صور جثته ووجه المبتسم بعد الموت.. أنه يسخر من القتلة.. ألم يظهر وجه نزار بنات وهو يبتسم أيضاً ساخراً من القتلة!!
أما علاقتنا مع صور نكبتنا وتشريدنا الفلسطيني والوجوه الخارجة من جحيم التشرد، فهي ما زالت تقف على محطات الذاكرة تنتظر العودة.. سنبقى نتمسك بالصور..