كل حال يدوم زمانين لا يعول عليه
“ابن عربي رسالة لا يعول عليه”
تلك أيام كانت ومازالت في مخيلتي، أحداث وبؤس تلك الليالي السوداء تدور كلها بتسلسل وبتفصيل ممل أمام أعيني أو بالأصح داخل المادة الرمادية…
أنا اسمي محمد الروداني، لا أعلم صراحة ولكن وجدت بعض الرسائل في البريد بنفس الإسم، لا أتذكر كل ما حدث في الماضي على الأغلب أظن أنه فقدان ذاكرة، جل ما أتذكره هو ذلك النور الأزرق الذي تسلل من الباب إلى الدهليز الذي أسكنه، وحينما نظرت إليه شعرت بصداع في رأسي قبل ارتطامه بالأرض، يبدو أنني أسكن هذا الدهليز لوحدي، لأنني لم أر أحدا بعد ولم أسمع ضوضاء أي من الجيران… أشعر أنه أول يوم لي في هذه المدينة وكي لا أصاب بالجنون سأدون كل ما يحدث لي هنا، لأنني سأمكت هنا لوقت طويل.
إنها الساعة 00:00 منتصف الليل، وأنا هنا في هذا الدهليز المملوء بالاسوداد والدهمة، هذا الدهليز اللعين الكئيب الذي ابتلع قدرتي على النوم، فأنا أنظر إليه أساسا على أنه سجني الأبدي ولا أرى فيه إلا أنواع اليأس والحزن الخبيث… غادرت الدهليز ولا أعلم وجهتي بعد فقط أود أن أحس بشعور الوصول، أن أصل إلى مكان أنتمي إليه، سرت في طريقي وأنا أفكر، هل أنا حي أم ميت؟ لا زلت اجمع ذلك الشتات الذي انتابني مند زمن طويل، تارة أحزم نفسي وكأنني أشد عليها برباط جأشي، وتارة تنفلت وكأنني لا أقوى على تملكها، يحز في نفسي كل فعل مشين أقوم به وكل نية سيئة تداهمني، عشت ولا أدري هل سأرحل وأنا أحاول أن أغوص من أعماقي أم أسبح مع التيار على سطح ذاتي…
لطالما أحببت الأشياء التي تتم، فقط، في داخلي، يريحني أن أنسج الواقع في خيالي وأحيا تفاصيلها حينا من الدهر، ثم أنهيها وقتما أشاء…
وجدت نفسي أمام إحدى حانات المدينة، دخلت وجلست في أحد أركان الحانة حيث الابتعاد عن الصخب والأعين، بينما كنت أحتسي قهوتي التي أحضرها النادل منذ قليل، فإذا بأنامل رقيقة تنقر فوق كتفي بخفة (آلاف الأسئلة والأجوبة دارت في مخيلتي قبل أن ألتفت)… انتفضت ملتفتا ورائي، لأجد فتاة (برونزية الوجه والخصلات) رأيت من وقفتها انضمامة نهديها، لا تسعفني ذاكرتي على تذكر كل شيء لكني متأكد أنني رأيت قبل هذا نهود نساء، لكن ما رأيته اليوم كان مختلفا…
-ناديتك أكثر من مرة ولم تنتبه
-آسف
-أنا المتأسفة (قالتها بابتسامة أعرض… وقد لفت انتباهي لمعان عينيها البندقيتين حينما تبتسم)… كنت أجلس مكانك مند قليل… ثم انتبهت الآن إلى ضياع محفظتي… ألم تجد محفظة صغيرة على تلك المنضدة؟
ارتبكت دون سبب… ثم أخدت ألتفت يمينا ويسارا عساني أعثر على المحفظة الضائعة، وكأنني قد أردت تبرئة نفسي من اتهام لم يوجه لي أصلا… بينما الفتاة حاولت أن تستوقفني قائلة:
-لا تتعب نفسك… ربما ضاعت مني قبل دخول الحانة
-آسف لم أجد شيئا.
-لا داعي للأسف… أنا من عليها الاعتذار لإزعاجك… عن إذنك.
أنهت كلماتها بابتسامة ثالثة، ثم انصرفت في هدوء رشيق… وتلاشى معها كل شيء.