إمرأة بلا ذاكرة: قصة قصيرة / بقلم: ذة. سعيدة محمد صالح / تونس


_وقفت تلهث، فستانها الفوشيا، يراقص لسعة النّسيم الصّباحي، على جسد نحيل لقوام فتاة، تجاوزت عتبة الثّلاثين بقليل، يدور في جوفها برد لريح شمالي غربي،، تلعن الكابوس الجاثم على شريان حيّ في روحها، يتسرّب هذا الصّقيع في خلاياه، يشوّش مسار الدّم، يمتدّ من دهليز اللّيل إلى ذبذبات الحركة، التّي تمّجد الموسيقى في معبد حياتها، وتتلو همهمات تصاحب، صخب الشّوارع ، وأصواتها التّي تبيع الرّتابة
على أرصفة مهجورة، تفترش ظلال العابرين، وضحكات السّكارى، وصراخ المنفعلين، وتحيّل الباعة، وهم يلاعبون شرطة البلديّة عند احتلال الأماكن العامّة خارج القانون، واللّهث وراء الخبزة، في عمق فوضى الأرصفة واكتظاظ السّاحات..
أسندت رأسها إلى ظلّها الأعوج، المختفي وراء هشاشة أسرارها…. على المقعد أمامها بهدوء جلست امرأة تشبهها كمرآة مشروخة، بعد تبادل قبلات باردة، كعادة الغرباء سلام معلول، لا دفء ولا يحب فيه، دسّت كفّها في كفّها، وهي تتأملّها، كلّ الأسئلة تهاوت، تلك الأسئلة التّي أنهكها إعدادها لهذا اللّقاء شهورا!!
أيّ إمرأة ستلتقي؟!
أيّ وجه سترى؟!
أيّ صوت ستسمع؟!
أيّ إحساس سينتابها حين تحضنها؟!
و بوداعة المغرورة ترسم على ظهر يدها، قبلة إضافيّة باردة كسنوات الخوف والولادة المجهولة…. كبقايا دفء في جسد غادرته الرّوح لتوّه،،
تواسي إجابتها المتعثّرة بغصّة عميقة، في دمها
الغارق في شرايين الحياة المتكلّسة، بسكب دلو الصّبر
المرمريّ على عقارب ساعة لا تلدغ، إلاّ بلسان سؤال
مسرحيّ جدّا،،،، لممثّل مجنون يحلّق في دور البطولة،
لماذا هجرتني و حرمتني وجودك في حياتي أمّي؟!
…غير أنّ كلّ ما التقته اليوم بقايا أحلام بلا روح، تطفو في بريق غامض لامرأة طالما ملأتُ دفاتر ذاكرتها بصور مختلفة لها، بل عن التّي وضعتها رضيعة السّتّة أشهر بمركز رعاية الطّفولة الفاقدة للسنّد،،،،،،، ولفترة طويلة،،، كوّنت وجها لأمّ أخرى، غير التّي تراها أمامها،،، فهذه التّي تعانقها بنظرات الشّرود، طيف لامرأة رغم ملامح الجمال والثّراء فهي تبدو بلا ذاكرة، هي أيضا تبحث عن وجه يشبهها، لكنّها أضاعت عبر الأعوام حقيقة الأجوبة المبعثرة والثّقيلة!

ذة. سعيدة محمد صالح / تونس



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *