بعد سلسلة حوارات إفتراضية استضفتُ فيها على التوالي كلّ من: جبران خليل جبران، و محمود درويش، و نيتشه، و شكسبير، و كونديرا، و كافكا، و محي الدين بن عربي، و دوسويفسكي، و ميكيافيلي، و الطغرائي، و محمد أركون، و مارك توين، و أومبيرتو إيكو، و روندا بايرن،
ـ أحاوِرُ اليوم الشاعرة الأمريكية (نوبل الآداب 2020) لويز غلوك (Louise Glück)
سألتُها بعد الترحيب:
ـ أثار تتويجك سيدتي من طرف الأكاديمية السويدية المانحة لجائزة “نوبل” للآداب 2020 حفيظة العديد من المهتمين و المتتبعين، كما صفّق له آخرون، حسب رؤيتك الخاصة للحدث، هل مُنِحَتْ لكِ هذه الجائزة العالمية بهدف تكريم المرأة المبدعة من خلالك؟ أمْ لأنكِ تنتمين لدولة عظمى (الولايات المتحدة الأمريكية)، أمْ لأنكِ يهودية؟
أجابتني المبدعة لويز غلوك:
ـ لا هذا و لا ذاك… صحيح أنني لم أكن أنتظر تتويج حصيلة أعمالي الأدبية بجائزة من عيار “نوبل”، لكنني لستُ غريبة على منصات الجوائز الكبرى، فلقد كان لي شرف الحصول على العديد منها مثل وسام العلوم الإنسانية الوطنية، وجائزة بوليتزر، وجائزة الكتاب الوطنية، وجائزة نقاد الكتاب الوطنية، وجائزة بولينجن، بالإضافة إلى جوائز أخرى. كما حزتُ على جائزة ولقب الشاعر الأمريكي… أمّا عن سؤالِكَ بخصوص تكريمي لكوني امرأة، أو أمريكية، او يهودية، فليسَ لكَ إلا أن تقرأ أشعاري و مقالاتي، و ما كتبه كبار النقاد عني؛ أحيلك على سبيل المثال لا الحصر على ما ورد على لسان الناقد الأدبي دانيال موريس الذي كتب عني يقول: “كتابات غلوك غالبا ما تتهرَّب من تحديد الهوية العِرقية أو التصنيف الديني أو الانتماء الجنسي. في الواقع، غالبا ما ينفي شعرها التقييمات النقدية، التي تؤكد سياسات الهوية كمعايير للتقييم الأدبي، فلا يمكن وصفها فقط بأنها شاعرة يهودية أميركية أو نسوية أو شاعرة طبيعة”.
سألتها:
ـ قد تشاركينني الرأي سيدة غلوك بأنّ جنس “الرواية” استأثر بحصة الأسد بجائزة “نوبل” للأدب على حساب أجناس أدبية نبيلة أخرى طيلة عقود من الزمن، إلا أن تتويجك هذه المرة بصفتكِ شاعرة لا رِوائية خلّف ارتياحا كبيرا لدى الشعراء و المهتمين بالشعر؛ إذْ علّق أحدهم يقول: “حدثٌ مثل هذا التتويج من شأنه أن يردّ للشعر قليلا من هيبته، ويحفظ له ماء الوجه، ويُخلِّصه من يأسه، أن يتنفس بعد سنين من الاختناق، الذي تعدّدت أسبابه، في زمن يصفه الكثيرون أنه مُعادٍ للشعر، ومتوحش ومتحرش بالشعراء…”؛ فما سرّ هذه الالتفاتة إلى الشعر بعد عقود من التهميش في نظرك؟
أجابتني الشاعرة غلوك:
ـ مجموعة أشعاري أقرب من جنس “رواية السيرة الذاتية”، حتى أن الأكاديمية السويدية المانحة لجائزة “نوبل” أكدت يوم تتويجي تقول إن “غلوك تكتب شعرا روائيا حالما يستحضر ذكريات وأسفارا ويتردد ويتوقف لفتح آفاق جديدة. فيه يتحرر العالم ويحلق قبل أن يحضر مجددا بسحر ساحر”.
سألتها:
ـ و يَصِفكِ البعض أيضا أنّكِ “شاعرة التغير الجذري والولادات الجديدة” خصوصا في قصيدتكِ “سنودروبس” حيث تعود الحياة بعد الشتاء… لكن، و هذا هو مربط الفرس، كيف يمكن لكتابة شعرية نمطية تقليدية محافظة غير معنية بالتجديد في الشعر أن توصلكِ إلى العالمية؟ وإلى أيّ مدى قد يكون لسرد محطات من حياتِك الشخصية و حياة أفراد أسرتكِ أهمية تتجاوز ما هو فردي إلى ما هو كوني؟
أجابتني:
ـ سؤالُكَ أكيد مُوَجّه للأكاديمية السويدية التي منحتني جائزة “نوبل” أكثر مَمّا هو مُوَجّه إليّ، و بشكل دقيق تتساءل عن سرّ الجملة التي جاءت في الإعلان عن فوزي بالجائزة (أعلن اليوم عن فوز الشاعرة الأمريكية لويز غلوك بجائزة نوبل للآداب “على صوتها الشاعري المميز الذي يضفي بجماله المجرد طابعا عالميا على الوجود الفردي”)، أي ما هي هذه القضية “الفردية” (التي تخصني وحدي) و تجاوزتني لتصبح قضية إنسانية كونية…؟
علقتُ:
ـ هو ذا السؤال سيدتي.
استرسلتْ في جوابها قالت:
ـ في قصائدي (كما جاء في إعلان الأكاديمية السويدية)، “تستمع النفس لما تبقى من أحلامها وأوهامها، ولا يمكن أن يكون هناك من هو أشد منها في مواجهة أوهام الذات”…. أكذب إذا قلت أنني لا أعرف الخوف أخاف المرض، الإذلال. ومثل الجميع، لدّي أحلامي لكنني تعلمت إخفائها، تعلمت حماية نفسي من الامتلاء: كل سعادة تجلب غضب الأقدار… الأقدار شقيقات متوحشات… في نهاية المطاف، العاطفة الوحيدة لديهن هي الحسد. .. كنتُ، على الدوام، مرتاحة إلى المكوث بين أقصيَين (أقصى الموت، و أقصى الحياة)… بعدما عانيت من المرض طويلا (لعقود)،…
قرأت هذا المقطع:
“لم أتوقع أن أبقى على قيد الحياة/
الأرض تُكبّلني لم أكن أتوقع/
أن أستيقظ مرّة أخرّى، لأشعر/
بجسدي في الأرض الرطبة/
قادر على النهوض مرة أخرى”.
ربما هي ذي القضية الفردية الشخصية التي لها بعد إنساني كوني أزلي: الخوف من الموت، و الصراع لأجل البقاء.
قبل نهاية حوارنا، سألتها:
ـ ممكن كلمة أخيرة سيدة غلوك؟
أجابت:
أقرأ لك مقطعا من نص “ذاكرة أولى”:
“جُرِحتُ، منذ زمن بعيد. وعشتُ
لكي أثأر لنفسي
من أبي، ليس
بسبب ما كان عليه،
بل بسبب ما أنا عليه:
منذ بدء الزمن
أيّام الطفولة، فكّرتُ
أنّ الألم يعني
أنني لم أكن محبوبة،
أنني كنتُ أحِبّ.”