لعل دواء القلب في خُلوته، قلتُ
بعدما فشلتُ في وصف ملامح الموت
بلغة الأحياء
ناديت على الذين رحلوا
فكانوا قد وضّبوا لأحلامهم أجنحة
دقوا باب الريح
نفضوا غبار الكون عن أعينهم
خلعوا أجسامهم المتعبة
ولبسوا زرقة البحر
ثم غادروها صامتين
كمطر هادئ في آخر الليل.
كان جدّي يسقي دالية الدار بالشاي والسكر
بالزَجل المنظوم، وبالعسل
كان يدلّلُها، ويردد، هذا هو الدليل القاطع على وجود الله والرسل
و عند آذان العصر يشتعل ظلها
فيصلي وينحني ويدعو لها
كي لا تذبل أوراقها ولا تلين
وأنا كما أنا…
طفلٌ يغمض عينيه حتى لا يرى غولا يمشي بعين واحدة ويبتلع الصغار
وأحلم بفتاة تشبه عشتار
أزحف كالنّمل على نهديها ولا أشعر بالذنب
فتشهق الحقول بالخضرة والمطر.
أركضُ وحدي وأقلّد فارسا فولاذيا يمر من ثقب إبرة ولا أسقط عن حصاني
وأهفو إلى امرأة عذراء تنتظرني في شرفتها، تسدل علي شعرها
فأتسلق ضفائرها لأبلغ ذروة شفتيها
لا زال الذئب يتربص بالشاة القاصية وبالصغار بعد المغيب؟!
قلت، نعم، سأدخل قرارة نفسي لأنجو
سأحرس أحد عشر كوكبا ودالية واحدة
صدقت كل شيء، إلا لغة الأحياء
لعل دواء القلب في لوعَته
بفراق من هاجروا
وتركوه كحقيبةٍ ضائعة في الميناء
اقطعوا من قلبي آخر السنديان
واصنعوا رفا للوجوه العائدة من السحاب
واحفظوا أسماءهم عن ظهر قلب.
اصْنعوا تابوتا لقسوة المستحيل علينا
ولا تجتثّوا عروق الدالية من تربة الحنين
لا تقتلوا الشعراء.
لعل دواء القلب في سُكنته
لكني لا زلت مع ذلك أصرُخ كالرّضيع
حين يقشعر العشب في جلدي ويجف
ولا زلت أخاف الذئب وأغمض عيني
حتى لا أرى الغول وهو يمشي بألف عين ويلتهم الصغار والنساء والرجال.
عشتار؟ يا إلهي!
صارت شاحبة تتسول في الشوارع
والفارس الفولاذي يتسكع في الحانات
وأنا كما أنا نملٌ تدوسُه أقدام الجنود
وتلك العذراء مجعدة الشعر تلطم خدها في الساحات
لعل دواء القلب في موته
لذا… لا أصدق لغة الأحياء.