بقدر احترامي وحبي للمرحومة حماتي والدة زوجي تميم، لم أعلن يوماً أمام زوجي “أموت في أمك يا تميم”، لكن عندما قرأت الخبر الذي أشعل النيران بين قطر والإمارات ودخلت السعودية على خط الرفض، معلنة أن “رمي المحصنات” من أخطر القضايا التي تواجه المجتمع العربي. ضحكت وأخذت أردد “أموت في أمك يا تميم”، بالطبع لم يعجب ذلك زوجي، معتقداً أن الحب المفاجئ لوالدته لمصلحة ما أو لغاية في نفس يعقوب، وبقي يعقوب معششاً في مخيلته، حتى قلت له أنك كل الابجديات ولا حاجة لمطاردة حب والدتك.
كعودة الذاكرة إلى النبع، تذكرت الأستاذ الشاعر “سعود الاسدي” في حصة اللغة العربية في المدرسة الثانوية في الناصرة، حين وقف معلناً بصوته الجهوري ووقفته الشامخة، مؤكداً لنا أن الأدب العربي يحمل في طياته الكرامة والكبرياء، ورفض الذل والمهانة، وأخذ يردد بأسلوبه المميز، متلبساً سطوة التاريخ معلقة الشاعر “عمرو بن كلثوم”:
ألا هبي بصحنك فاصبحينا ولا تبقي خمور الاندرينا
كنا في الصف نصدق منطق التاريخ، والمعلم كان الجسر الذي يوصلنا الى خزائن الفرح، ولم نعرف أن الخزائن بعد إنهاء المدرسة ستتحول الى بيادر من القلق والخوف والتردد والهموم، أحببنا الشاعر عمرو بن كلثوم سيد بني تغلب الذي غلى الدم في عروقه رافضاً الاستخفاف به، وأحببنا أمه ليلى بنت المهلهل، الشاعر المعروف بالزير سالم، وتخيلنا كيف قتل الشاعر “عمرو بن كلثوم” الملك عمرو بن هند “ملك الحيرة”، الذي أراد إهانة الشاعر سيد بني تغلب، حين سئل في مجلسه اتعرفون أحداً ترفض أمه أن تخدم أمي، قالوا له ليلى أم عمرو بن كلثوم.
فقام الملك عمرو بن هند بدعوة الشاعر، وطالبه أن يأتي مع أمه، وأثناء تقديم الطعام طلبت “هند” والدة ملك الحيرة من ليلى والدة عمرو أن تناولها الأطباق، فصاحت ليلى مطالبة بالثأر من الملك ووالدته هند التي تجرأت وطلبت أن تخدمها “ليلى” بنت الحسب والنسب وفخر العرب، فلبى ابنها الشاعر عمرو بن كلثوم نداء أمه ليلى وقتل الملك عمرو بن هند.
حكاية الشيخة ” موزة ” أو والدة تميم بن حمد أمير قطر، بدأت بصحفي اماراتي يدعى حمد المزروعي وقد كتب تغريدة “أنا أموت في أمك يا تميم” وهو يقصد الشيخة موزة بنت ناصر المسند، لا نعرف ماذا قصد الصحفي حمد المزروعي بهذا الاعتراف المميت نحو “موزة”، هل الموت حباً بامرأة قوية استطاعت أن تبرز في الخليج، وتدفع زوجها حمد بن خليفة آل ثاني للانقلاب على والده الذي كان في أوروبا عام 1995، ثم تدفع ابنها تميم على الانقلاب على والده حمد، هل لأنها الشيخة موزة تتميز بحبها للأزياء و اهتمامها بأن تكون انيقة والاعلام يتمتع بتفاصيل جمالها.
العاصفة والضجيج الإعلامي الذي رافق عبارات الاستنكار الذي يرفض المس بسيدة قطر “الشيخة موزة” دفعني لتأمل هذا الدفاع الذي يسقط في فخ الوجع الأنثوي.
الدفاع عن الشيخة “موزة” وتسونامي الغضب الذي اجتاح قطر والخليج الثائر ضد الصحفي حمد حتى تحول الى معزوفة الشرف الرفيع، الدفاع عن “موزة” يتسلق سراً عربات النساء اللواتي يتعذبن يومياً نتيجة انتهاك الأنظمة العربية لهن، لقد صمتت الأنظمة والحكومات العربية على انتهاك حقوقهن، صمتت وسكتت عندما تم بيع النساء في الأسواق، وكن ضحايا للحروب والمعارك، لا أحد من الأنظمة والحكومات تفقد غربتهن بعد تهجيرهن من أوطانهن، لا أحد فتش عن مآسي المرأة السورية والعراقية والفلسطينية، لا أحد اهتم للسجينات الفلسطينيات في السجون الإسرائيلية. لا أحد أهتم للمرأة الغزية المحاصرة منذ زمن طويل، لا أحد يهتم لصراخ المرأة الفلسطينية التي تعتقل وتضرب وتقتل بأيدي الجيش الإسرائيلي.
هنيئاً للشيخة موزة على الأسلحة التي تم رفعها بوجه “الموت حباً” من صحفي عابر أراد نشر حبه أو نشر كرهه، هنيئاً للشيخة “موزة” لأنها امرأة بلا كوابيس، حتى تحول “الموت حباً” كابوسها يحق الدفاع عنها، هنيئاً للشيخة “موزة” لأنها حشرت النساء العربيات المعذبات، الشقيات، المنهكات في معارك الرغيف، وفي معارك الحقوق، هنيئاً لأن السجينات الفلسطينيات يعشن بالصمت ولم يجدن قلماً وحبراً يدافع عنهن.