شاعر يرفض توقيع قصيدته / بقلم: ذ. مجد الدين سعودي / المغرب



(أحبك حبا لو يفض يسيره.. على الخلق مات الخلق من شدة الحب، و اعلم أني بعد ذلك مقصر.. لأنك في أعلى المراتب من قلبي). “ابن أمية”

1
أخبرني طائر السنونو
ذلك الصباح
بفجر جديد أطل و لاح
بعطر فاح
و بعناق بطعم الارتياح
أخبرني بألم الولادة
و لهفة اللقاء

2
قال السنونو
ستأتي ممتطية ابتسامتها
معانقة جنونها
و الأسود يليق بها
تشاكسه
و يشاكسها
تماثله
و يماثلها
و الشعر المنفلت
من خيوط متشابكة
تؤرخ لبويهمية دائمة
يتطاير في سماء اللازورد
و حركاتها و تحركاتها في تلك القافلة الغجرية
و أهازيج (أحواش) تؤرخ لبصمتها و بسمتها
و الحلاج يباركها هاتفا:
(أنا من أهوى و من أهوى أنا
نحن روحان حللنا بدنا
فاذا أبصرتني أبصرته
و اذا أبصرته أبصرتنا)
و يغني القمر:
هي السحر
ورب الشجر
هي الكوثر
و رب البشر
هي المرمر
و العطر
و ماء الزهر
هي الجمال في أبهى الصور
هي تلك التي كانت خيالا
فانفلت الخيال من الخيال
و رفض أن يكون خيالا
أو تمثالا
أو ظلا
أو ارتدادا
أو انتكاسا
و أرغى و أزبد
و تجبر
و تمرد
و ارتد
و تعنتر
وأقسم برب الكعبة
هي حقيقة
و هو وهم
هي بدر اكتمل
و بملامستها يغني القمر
عن القمر
و يشهد أنها
خط أحمر
وبهذا يخجل القمر من القمر

3
صاح الخيال
لو منحوني سلطة اختيار الألوان
في مملكة العشق
لقمت بامتلاك الأحمر
و لسرقته و لصادرته
و منعته عن الناس
و اعتبرته الوسواس الخناس
و لاتهمت الناس بالفساد و الافلاس
و قلة الاحساس
فهي بالأحمر
خط أحمر

4
أيقونة تمشي….
وهل في دنيا الأيقونات
أو دنياكم
أيقونة تمشي
و تهمس و تتكلم؟

5
هتف شاعر (مصرفرعوني) في القرن 13 قبل الميلاد:
(ليتني كنت خاتمها الصغير
حارس اصبعها
لأرى حبها
في كل لحظة و يوم
و أنا …
أخطف قلبها)
صدقوني
هي الأيقونة
التي تمشي
و تهمس
و تتكلم…

6
ترى هل في حضرتها
يعقل
أن يكتب الشاعر القصيدة؟
أبدا و الله
وهي ذلك المارد
و الشلال
و الضوء الشارد

7
هي المسافرة
هي سندباد
المتنقل في أجواء ساحرة
فكيف يحلو طعم الفراق
و الذات حزينة ثائرة؟

8
لو امتلكت سلطة القدر
لصرخت: أنا القدر
أجل أنا القدر
سأسكن قلب القمر
و أكتب بالخط العريض
و بكل مانشيتات الدنيا
و الأخبار العاجلة:
هي القمر
و أنا وجه القمر
وبوجهي سأحجب عنكم
ضوء القمر
و قد أعذر من أنذر
هي القمر
و أنا المطر
فلا تسألوني عن خط أحمر
ان كنت بعد الوداع حزينا
فالحزن قدري الأحمر

9
و عاد شاعر (مصرفرعوني) قديم من القرن 13 قبل الميلاد ليهتف:
(لن يرتاح قلبي لوصفاتهم
و الكهنة المرتلون لا سبيل لديهم
لا يعرف أحد دائي
ما قلته لنفسي: ان اسمها هو الذي سيحييك
اسمها هو الذي سينقذك)
ملعون القطار
الذي أخذها بعيدا
ملعون قطاري
الذي رماني وحيدا
مشردا
تائها و طريدا
قال السنونو: لا تحزن
لقد صدقت نبوءتي
بلقاء
يأكلك فيها الشوق و الاشتياق
و بوداع
بطعم المأساة و الاحتراق
فهي فراشة
تبصم كل البحار و الشطآن
بوهج حروفها
بعفويتها المنبثقة من عمق التاريخ
و كلما أنشدت
أطربت
و كلما أطربت
حركت لواعجك
حركت دواخلك
و تسابقت دموع الفرح اليك
لأنها لا تقرأ قصيدتها
بل تقرأ قصيدتك

10
يوما ما كنت شيخ الطريقة
و كانت المريدة
فأصبحت هي الطريقة
وأنت الطريدة
و أنت الناسخ و المنسوخ
و أنت الناقل و المنقول
و أنت المتصوف في محرابها
و التابع لملكوتها
بعد أن تهاوت مملكتك
و سقطت هيبتك
فأعلن يا هذا الاستقالة
ففي العشق لم تعد شيخ الطريقة
بل أصبحت مجذوب الطريقة
تتعلم أبجديات العشق
و تطير باحثا عن ماهية الحقيقة
فكيف اذن توقع القصيدة؟
و أنت لم تكتبها
و ما أنت بشاعر
أو خيال أو ساحر
أو مجاز
أو تناص
أو تضاد
فاستحيي اذن من كتابة الشعر
في حضرة البهاء
و الصفاء
و النقاء
وامتنع عن توقيع القصيدة

ذ. مجد الدين سعودي / المغرب


* من الديوان الشعري: شاعر يرفض توقيع قصيدته



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *