ضوضاء مصحوبة بكهرباء الكبرياء الصهيوني ، الذي من الممكن ان يصنع من الريشة طائرة نفاثة ومن العقربة دبابة ، وبما ان نتنياهو يريد تطويق مسيرته بالأضواء بعد أن تفتقت حواشيها بأورام الفساد ، فقد أعلن بأن خلال عملية شجاعة استطاعوا الحصول عل ساعة يد ” أيلي كوهين ” الجاسوس الإسرائيلي الذي أعدم في دمشق في 18 أيار عام 1965 ، ومعروف أنه منذ عملية الإعدام وإسرائيل بين الحين والآخر تخرج من جيوبها صوراً ورسائل وكتب والحاح تاريخي يدخل في جوقة عدم النسيان ،عدا عن المطالبة الدائمة برفاته ، حيث لم تترك جهة غربية وعربية من تحت الطاولة وفوقها إلا وطالبت التدخل لدى الدولة السورية لإعادة الرفات ، حتى تحول رفات ” ايلي كوهين ” خلال الأزمة السورية الى نبش وتفتيش عن البقايا وذلك من خلال بعض الفصائل الإرهابية
خرج الإعلام الإسرائيلي معلناً انتصار إسرائيل الباهر مؤكداً أنه خلال عملية عسكرية ناجحة، استردت إسرائيل ساعة يد إيلي كوهين التي كان يرتديها بيده عند إعدامه. لكن المضحك قامت أرملة إيلي كوهين بتكذيب رئيس الحكومة قائلة ” أن الساعة قد عُرضت للبيع وقام الموساد بشرائها ” ثم صرحت ابنة أيلي كوهين أن الساعة كانت معروضة للبيع في دولة معادية وتم شراؤها عن طريق الانترنيت ، أي أرملة ” كوهين ” وابنته قامتا بتنفيس البالون إكراماً للحقيقة وبعيداً عن مزايدات الموساد ، ويقال أن الساعة قد تم عرضها في المتحف الخاص بعناصر الموساد
ليست الحكاية حكاية ساعة كان يملكها أهم جاسوس إسرائيلي استطاع اختراق دولة عربية و الوصول إلى أعلى المراتب والصداقات مع رجال الحكم ، بل هي حكاية تصميم وإصرار صهيوني ، وقد وضعت الحكاية تحت المجهر حتى تتحول الساعة الى وجه لا يدفن في التراب بقدر ما يبقى حياً في الضمير والوجدان الإسرائيلي
لا أريد هدم شرفات عدم الاهتمام المبنية على بنايات النسيان ، أو فتح أبواب المقارنة بين اهتمامهم نحو من يقدم للوطن واهتمامنا ، وحرصهم وحرصنا ، الجميع يعرف أنه ينام في شراييننا و تحت فراشنا ووسائدنا وبين أغطيتنا مئات الأسماء الفلسطينية ، شهداء وأسرى ومفقودين ، وقبوراً تحمل الأرقام السرية وتتعمد مسح الأسماء ، حيث الجثث الراقدة بهدوء تدفع ثمناً لعشق وطن
عودة ساعة ايلي كوهين – لا يهم بأي طريقة – تلقي بظلها الاحتلالي التاريخي على ساعة جدي ، الساعة التي كانت مربوطة بسلسلة ذهبية ، وقد قام جدي بوضعها داخل جيب سترته ، وكان كلما أراد معرفة الوقت يسحبها من جيبه وينظر إليها متباهياً بها وقد قال في أحد الأيام أن هذه الساعة اشتراها عندما كان يعمل في ميناء حيفا – قبل عام 1948 – من أحد الجنود البريطانيين، والذي عرضها على جدي لأنه كان بحاجة ماسة للمال ، وفعلاً اشتراها جدي وبقيت سنوات طويلة في جيبه ، حتى أصبحت جزءاً من شخصيته مثل شاربه وقمبازه وحطته ” الروزا ” المكوية بإتقان
يوم وفاة جدي – 1960 – أكدت جدتي أن الساعة توقفت ولم تعد تعمل ، ولم يحاول أحد أولاده – اخوالي – أخذ الساعة ، لذلك قامت جدتي بدق مسمار وعلقت الساعة على الجدار، كأنها كانت تريد القول أن زوجها لم يغب، وكانت تحرص على مسحها من الغبار يومياً ، محاولة إرجاع عقاربها إلى الحركة ، لكن الساعة بقيت صامتة مشلولة، حتى وقعت مذبحة ” صبرا وشاتيلا ” حين قامت المظاهرات في مدينة الناصرة منددة بهذه الجريمة البشعة ، مما دفع رجال الشرطة ورجال حرس الحدود إلى التصدي ومطاردة المتظاهرين ، وقاموا بملاحقتهم ودخلوا الى البيوت والحارات والساحات ، لم يتركوا مكاناً إلا قاموا بتفتيشه بحثاً عن الشباب بغية اعتقالهم ، قلبوا الأثاث ومزقوا وكسروا وحطموا ، ومن بين البيوت التي دخلوها بيت جدتي ، واكتشفت جدتي بعد رحيل رجال حرس الحدود ، تكسير كراسي الخيزران وسرقة ساعة جدي عن الجدار، بكت بحرقة كأن جدي مات للتو ، ورغم أن أخوالي قد غضبوا على تكسير كراسي الخيزران ، إلا أن بكاء والدتهم على سرقة الساعة حيرهم ، وحاولوا إقناعها أن الساعة قديمة، إلا أنها بقيت تبكي بحرقة ، وماتت جدتي وبقي المسمار مغروزاً في الجدار وقد أصابه الصدأ ، وقد علق عليه بعد ذلك صورة جدتي وأضافوا الى جانبه مسماراً آخر علقوا عليه صورة جدي
تكلمت مع حفيدي حول ساعة جدي التي سُرقت، وساعة الجاسوس الإسرائيلي أيلي كوهين التي ظهرت فجأة، نظر حفيدي الي نظرة ساخرة ، كأنه يقول لي أنت تعيشين في الخيال، عن أي ساعات تتكلمين ؟! وما هذا الهذيان التاريخي ؟
في الصباح الباكر فتحت ” الفيس بوك ” وجدت حفيدي قد كتب على صفحتي ” عذراً جدتي في الزمن العربي وضعنا ساعاتنا في الخلاط ، لعل الخليط يكون يقظة ، صراخ، غضب ، ثورة ، لكن للأسف تحولت ساعاتنا إلى جماجم مثقوبة يشربون فيها خمر الضياع