غربة / بقلم: ذ. نورالدين العسري / المغرب


هي الأيام،
خطوطٌ على كَفّ من ماء،تبدو وتَنْدثر.
هي موجٌ رماني في الشواطئ المهجورة.
صنعت من الطين طيورا
وسألتُ الرّيح،
هَلاّ نفختِ الروح فيها، لعلّي أراها يوما تطير؟
كان حُلمي يمشي معي فأُصيبَ بالشَّلل.
حمَلتُه على كتفي،ووضعته في رُفوف الزّمن المكسورة.
فواصلتُ الرّحيل وحيدا إلى البعيد.
ماأيْتمَ صوتي ،حين أحتاج حلما للغناء.
أهيم على وجهي، في تفاصيل الخرائط، أَضيع.
وأسأل العائدين من هوامش التاريخ؛
أين أبي؟
أبي الموشومُ وجهُهُ على أزنادِ الشّمس
أين حِصانَ أبي الأدْهم الأصيلْ ؟!
أين حُسامه الذي شقّ الّليلَ بالصّليل ؟
ما أبعد إتاكا يا أوليسيس وما أقربك منا!
أوليسيس!
يا من حمل التيهَ إلى المرايا لنراهُ فينا.
إلى بداية الطفولة والحب أريد الرجوع،
فأين أنا من أحلام الصّبى ، وأين الدليل ؟
طردتني القبيلة البلهاء،
وأصبحتُ صعلوكا ،أتأبّط كرهي وأتربصُ بها،
أُباغِتها بالشّوك الناتئ من تشرُّد الروح.
وأَغرزهُ في عُيونِ حُرّاسها
وشيوخها الكذّابيين،ومُلوكها
فما أيْتمَك يا صَوتي الجَريح
حين أكْتوي بحُرقة الوجود وحدي
وحرقتي نار تحترق بنارها ،
ويا خيبةَ بصري حين أنظرُإلى الوراء
ولا أرى غيرَ حوافرِ الماضي المنقورَة على الريح.
كلما نبتَتْ أجنحةٌ على صهْوةٖ زمني
صِرت بحَّارا تائها يحلم بأنثاه،
في الهواء يناجي طيفها،وفي الزُّرقةِ والماء.
على أسدالِ الليل أَرسم نهديك يا پينولوبي
فتزفُّك شمسُ الصَّباح إليّ مُزيّنة بشقائق النعمان.
أوليسيس ! يا تيها ، يبدأ حين ينتهي.
وينتهي بنا إلى بداية الأشياء.
فيا قلبي ، يا حُفْنة من غمامٍ غجري،
لولا رفيفَكَ الخافِت بين الضلوع
لما أمْطَر حُزنُ المدينة
ولولا انْكماشَ الكون في غُدَدِك
لما اتّسعَ المكانْ.
أُوليسيس!! يا صوتي المَخْنوق،

– هل الأرض ، كلُّها ، سوى أغنية حائرة،
تدحرجتْ سَهوا من شفاه العدم
ولم نحفظْها عن ظهر قلب،
فتبعثرت جزرا وأوطانا ، نتشرّد فيها؟
عقابا لنا عن ضعف الذاكرة،
أيها العائدون من أوغيجْيا
إملأوا آذانَكم بالأصْلاد،
وتمسّحوا بتُرابِ الوطن عند الوصول
ولا تفتحوا قلبي المُثخن بالعاصِفة.
يا إِيتاكا يا وطني،
أيّها الجرحُ المسافر في الفصول،
كلّما ذكرتك ، نَطَقتُ حُروفَ اسمكِ شهَقاتْ
وحَشْرَجْتُ كالمُحْتضر
إيتاكا !!!
إني أناديكِ بلساني المبتورِ وبالآهاتْ.
آه ! يا غُصنا ينبتُ بين مفاصل الصخر،
دعي ما تبقى مني يستظِلُّ بمداك.
طُيوري من طينٍ وحنين و مطر،
وتحلم كما أنا، بأجنحة من نور
كلما هبت الرياح أندفِع ، وأطير.
لأعود إليكِ ، مفعما بهواكِ.
فليس لي وطنٌ ولا عِشقٌ، سواكِ.

ذ. نور الدين العسري / المغرب



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *