مقدمة لسلسلة مقالات تحت نفس العنوان
يسود معتقد لدى المهتمين بأن الإبداع الأدبي و الفني يزدهر بوتيرة ملفتة للنظر و الفضول في بؤر التوتر و الأزمات (الحروب التحريرية ضد مختلف انواع الاستعمار و الاحتلال و الاستيطان؛ الحراكات الشعبية ضد التحكم و الاستبداد في ظل الأنظمة الدكتاتورية؛ الثورات الأهلية و الطائفية العقائدية و الايديولوجية و السياسية في الأقطار المتعددة الإثنيات و الديانات و المذاهب و اللغات … ).
انطلقت لمقاربة تيمة هذه المقالة من القراءات النقدية الأدبية التطبيقية التي قمت بها شخصيا مؤخرا في اعمال أدبية عربية (روايات؛ مجموعات قصصية؛ دواوين شعرية) صدرت عن دور نشر عربية مختلفة في السنوات الثلاث الأخيرة، اذكر منها: روايتين ( قيامة البتول الأخيرة، و الخاتم الاعظم) للروائي السوري زياد كمال حمامي، و رواية مقاش للروائية الفلسطينية سهام أبو عواد، و رواية إعدام شيوعي للكاتب العراقي علي غازي، و رواية قاعة الانتظار للروائية المغربية الزهرة رميج، و رواية قرارة الخيط للكاتب المغربي جمال العثماني، و 6 مجموعات قصصية للقاص السوري مصطفى تاج الدين الموسى، و المجموعة القصصية رائحة الأمكنة للقاصة العراقية ليلى المراني، و المجموعة القصصية رصاص القلم للقاص العراقي عبد الله الميالي، و المجموعة القصصية هناك خطأ ما للقاص المغربي عبد المجيد طعام، و المجموعة القصصية في القاع حكايات أخرى للقاصة التونسية نعيمة قربع، و المجموعة القصصية النهر يعشق ايضا للأديب الجزائري الطيب صالح طهوري، و ديوان أختفي في الضوء للأديب العراقي على لفته سعيد، و ديوان قهوة الكلام للشاعرة و الاعلامية السورية فاتن حمودي، و أوديسا نقار الخشب للشاعر السوري حسان عزت، و ديوان تراتيل القمر للشاعرة العراقية سعاد العتابي، و ديوان فوضاي تكتب نثرها للشاعر المغربي يحيى عمارة، و ديوان حوريات بقدم الكون للشاعر المغربي جمال أزراغيد.
هي نماذج من بين أعمال أخرى كتبت في مختلف الأقطار العربية أو في المنافي، تؤسس لحركة أدبية تؤرخ فنيا لما قد نطلق عليه اسم “أدب الحرب” (الحرب بمعناها الواسع بكل تجلياتها و تمظهراتها كما أفرزتها “انتفاضات الربيع العربي” ) .
لكن، و الشيء بالشيء يذكر، لابد من التوضيحات التالية:
– لا علاقة لأدب الحرب في سياق هذه المقالة بادب الملاحم و البطولات كما عند الاغريقيين هوميروس و فيرجيل، أو عند فطاحلة الشعر العربي القديم كما بعض أشعار عنترة، و أبي فراس الحمداني، و غيرهما…
– لا علاقة لأدب الحرب هنا بكتابات كبار المبدعين العرب الذين حاربوا الاستعمار بالقلم أمثال أبي القاسم الشابي و عبد الحميد بن باديس، عبد الكبير الخطيبي و قبلهم رافعة الطهطاوي، و غيرهم كثر.
– يبدو في المقابل أن هذا الأدب من خلال النماذج التي قرأتها قد تأثر بشكل لافت بكتابات أدبية و فلسفية هي نتاج لعقود من الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي و الرأسمالي. تأثير واضح من خلال كتابات مناهضة للاستبداد، و الظلم، و القهر، و قمع الحريات العامة، و السجن و الاغتيالات و الأحكام بالإعدام، و النفي، و الاعتقالات التعسفية، و الخطف… من أهم النماذج منها كتابات فترة سميت في المغرب ب “سنوات الرصاص” إبان سبعينيات و ثمانينيات القرن الماضي؛ تشبه إلى حد المطابقة كتابات إبداعية انخرطت في نفس النمطية بأسماء و نعوت مختلفة، وجه الشبه فيها انها كلها كتبت و لا تزال تكتب تحت الرصاص… نذكر على سبيل المثال لا الحصر كتابات عبد اللطيف اللعبي، و بدر شاكر السياب، و محمود درويش، و رشيد بوجدرة… و غيرهم.
كما تأثر إلى حد بعيد بالآعمال الأدبية و الفنية الغربية وليدة الحربين العالميتين. أعمال أسست لتيارات و مدارس أدبية فنية كرست فلسفة العبث بدلالات تصب في الوجودية، و السريالية، و السؤال الابستمولوجي، و الحفريات الانتربولوجية، كما أعمال كافكا، و سارتر، و كامي، و بريشت، و سامويل بيكيت، و روب غريي، و ناتالي ساروت… و آثار هذه الأعمال جد بادية في قصص مصطفى تاج الدين الموسى، و الطيب صالح طهوري، و روايات زياد كمال حمامي، و اشعار يحيى عمارة، و على لفته سعيد، من بين آخرين
لكن، لا يمكن الجزم، في سياق ثقافة الاعتراف بإبداعات الكتاب/ نماذج هذه المقالة، بأن المتون المقروءة المشار إليها هنا، مجرد انخراط في موضا العصر، اي مجرد تقليد و محاكاة لأعمال غربية عالمية.
راهنية الأدب العربي تحت أجواء الحروب و الثورات و الفتن حركة متفردة سيكتب عنها تاريخ الأدب العربي بمداد من ذهب. و التراكمات الحالية كما و كيفا تحتاج لحركة نقدية مواكبة بأفكار و أنساق و آليات جديدة، و لم لا لنشأة و تطور مدارس نقدية أدبية و فنية حديثة و حداثية يتم تأسيسها على يد منظرين أمثال محمد بنيس و محمد برادة في المغرب، و ثلة من كبار النقاد من سوريا و العراق و مصر و تونس و الجزائر و ليبيا… و أهم ما قرأته مؤخرا في هذا المضمار بيان الرواية للعراقي داود سلمان الشويلي… و لي عودة للموضوع.
ذ. خالد بوزيان موساوي / المغرب
