استقالة ورقة التوت: قصة قصيرة / بقلم: ذة. شوقية عروق منصور / فلسطين


وجد كل مسؤول في الدولة في صندوق بريده ورقة توت خضراء يانعة، كل مسؤول تناول الورقة وأخذ يتساءل حول المغزى والهدف من وجود ورقة التوت في صندوقه البريدي الخاص.
بصمت وهدوء قام كل واحد بإخفاء ورقة التوت، لم يقل المسؤول لزميله المسؤول الآخر عن ورقة التوت، فقد اعتقد كل واحد أنها مرسلة إليه فقط، لذلك كان الصمت المطبق وبلع اللسان وعدم اثارة الشكوك والانتباه، وهي من مميزات المسؤول لعدم الوقوع في المطبات السياسية.


في الاجتماع العام الذي نظمه الرئيس و القائد الأعلى في الدولة، طلب من المسؤولين في إدارة الدولة الإصغاء جيدا لكلامه الهام، لأنه مقدم على خطوة مصيرية تصب في صالح الوطن، الموضوع باختصار أنه سيغير جغرافية الدولة ويدفع السكان للعيش في رغد وبحبوحة ليبعد شبح الفقر ويختفي الفقراء والمتسولين، فقد قرر أن يبيع بعض الجبال وبعض الأنهار وجزء من الصحراء للدولة المحاذية التي تفتش عن مساحات لكي تطلق العنان لوجودها بدلاً من البقاء في جحر من الكيلو مترات.


الرئيس يؤكد للشعب وللمسؤولين أن صحراء بلادهم قاحلة والجبال جرداء والأنهار قد جفت وبقايا المياه قد تلوثت، ولم تعد صالحة للشرب و للسياحة والسباحة.
ضجت القاعة بتصفيق المسؤولين الذين وقفوا على اقدامهم مكبرين مهللين فقد وجدوا في البيع فرصة للتمتع بالمال و السفر خارج البلاد، وشراء كل ما يريدونه من مغريات حاملين شعار “اذا امطرت على بلاد بشروا بلاد” وها هو الرئيس يبشرهم بهذه البشرى التي ستفتح شهيتهم على الاقتناص.


اصطفت الطوابير.. جميعهم سيوقعون ويختمون ويبصمون للرئيس، وحتى ينالوا رضى الرئيس، كانوا بعد التوقيع يقفون ويسلمون عليه بحرارة معتبرين هذه الخطوة الجبارة صالحة للوطن والشعب وتطوير دولتهم الفتية
بعد التوقيع على أوراق البيع وأمام المسؤولين الذين جاءوا من الدولة المجاورة محملين بالأكياس المليئة بالمال وقاموا بوضعها أمامهم انتظاراً للكاميرات التي ستنقل عملية التسليم، نصبوا خيام الرقص والغناء والدبكات ومنصات للشعر وعلقوا مكبرات الصوت التي ستحمل رنين المدح وهمس الفرح الذي سيصدح ويملأ الأجواء.


في اليوم التالي اتصل الرئيس بكل مسؤول طالباً منه القدوم الى الجلسة الخاصة والتي سيقومون فيها بتسليم الجبال والصحراء والأنهار لرئيس الدولة المجاورة، دون ملابس رسمية، فقط على المسؤول وضع ورقة التوت على عورته
وفي القاعة التي ضمت المسؤولين كان العري مترهلاً فوق الكراسي المخملية، وأوراق التوت قد اتخذت عدة أشكال، لكن جميعها لم تستطع إخفاء العورات، الغريب أن العري لم يخجل، بل وقف الرئيس مفتخراً بورقة التوت التي قام بتزينها بعدة ألوان، لأنه عندما تناولها صباحاً من الصندوق وجد أن أطرافها قد أصيبت بالاصفرار.
أثناء وقوف الرئيس على المنصة وبينما هو يلقي بخطبته العصماء، سقطت ورقة التوت واخذت تهرول بسرعة خارج القاعة، هاربة من المكان، ولم يستطع أحدهم اللحاق بها، فتشوا عنها في كتب التاريخ وفي معاهدات السلام وبين اقبية اللقاءات الدولية السرية واللقاءات الدولية العلنية التي لم تعد تخجل من إعلانها.


في الصباح الباكر حملت وسائل الاعلام والفضائيات اخباراً تؤكد أن ورقة التوت قد قدمت استقالتها أمام الجماهير بالبث المباشر، لكن الرئيس رفض الاستقالة وقد طالب الجيش ورجال الأمن ملاحقتها والقاء القبض عليها، ثم ارجاعها الى مكانها، لأنه لا يستطيع البقاء عارياً دون ورقة التوت.

ذة. شوقية عروق منصور / فلسطين



اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *