أن تسكت أصوات المدافع ، وتتوقف الطائرات عن القصف ، وتتحول الأرض اليمنية الى هجرة نحو الحرف والكلمة تلك هي المعجزة في هذا الزمن المخيف.
أن تتسكع الجثث اليمنية التي احترقت وتمزقت وتشوهت على ضفاف الحقد السعودي والتحالف العربي الدنس ، وتنام تحت التراب الذي تكوم على شكل مقابر سريعة ، تنتظر المزيد من لهب الجحيم ، لكن من بين اللهب يهرب الموت الى الورق ، يقيم فوق خيام الحب ممزقاً أشباح الاحتراق معلناً أن – لا غالب إلا الحب – على رأي الشاعر الدمشقي نزار قباني .
في الزمن اليمنى الذي يهدينا يومياً أخبار القتل و الردم والهدم وبراكين الدم وزلازل الخوف ، هناك بعض الفرح ، ليس رشوة ، بل الإصرار أن اليمن مهرة الحرية ، وأن الأدب اليمني الذي هناك من أطلق عليه – أدب القات – ينتصر الان للوجود الإنساني ، لظلال البراءة الأولى
الشاعر اليمني الشاب ” محمد الضبع ” مرادف الآن للتحليق فوق الجراح ، يتحدى الأنياب الحادة التي تمزق الجسد اليمني ، يتحدى تكسير عظام الوجود ، بنسج الحكايات الجديدة عن الحب ، لا نعرف كيف يخرج الشاعر محمد الضبع ، من جنون الحرب والألم الى عبير الحب عبر التاريخ الحديث ، كيف يحتجز عصافير الحب ويطلقها فجأة في سماء الأدب في ظل فخاخ الحرب ، وأتساءل كيف يطير العصفور والرصاص يطرز الفضاء / والطائرات تقتحم الحزن ، لينتحب الهواء ، وبعد ذلك يصبح كل شيء رماد .. رماد
فتشت عن حياة الشاعر الشاب ” محمد الضبع ” فلم أجد سوى أنه أصدر عام 2012 “صياد الظل” وهو الديوان الشعري الوحيد له
في كتابه ” معطف فوق سرير العالم ” يسجل فيه أهم رسائل الحب عبر التاريخ القديم والحديث ، وأيضاً عبارات الحب التي كتبها السياسيون والادباء والشعراء والفلاسفة ، وأشهر القصائد التي كُتبت عن الحب
لقد اختار الشاعر ” محمد الضبع ” هذه النماذج من المدونات الالكترونية، وقام بترجمتها بأسلوب راق ، يغلب عليه الإحساس بالمسؤولية وعشق الكلمة النزيهة التي تفتش عن مأوى في هذا الزمن الصعب
غير المألوف في كتاب ” محمد الضبع ” هو الفصل الخاص بالمرأة الكاتبة ، والذي يدل على القيمة الكبرى التي يوليها هذا الشاعر الشاب للمرأة التي قررت أن تحمل الكلمة على كاهلها ، وتخرج بها الى العلن ، ويكون عنوانها الكتابة
تحت عنوان ( أخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة ) تنهار نظريات الكيمياء الاجتماعية التي تضع المرأة الكاتبة في خانة الحذر والخوف وعدم الإخلاص والتنقل والسقوط في الخطيئة والترفع والعيش على الاستهتار ، لأن ميدان الكتابة خاص بالرجال ، والمرأة التي تقتحم الكتابة لا تنعم بالاستقرار ، بل عليها أن تبقى في حالات مخاض الرفض، وأي بريق قد ينتشلها من بيتها واسرتها وأولادها
عكس النظرية ، الشاعر ” محمد الضبع ” يحرض الرجل على الاهتمام بالمرأة الكاتبة ، وعلى الرجل أن يفضلها على غيرها ، لأن المرأة الكاتبة مميزة ، ليست امرأة عادية ، فيها الحنان ومحاطة بتصرفات وسلوكيات تمجد تفاصيل دقات قلب الابداع
ابحث عن فتاة تحب الكتابة ، ستكتشف أنها مرحة ، أنها متعاطفة وحنونة لدرجة بالغة ، ستحلم وتبتكر عوالم وأكواناً كاملة لأجلك ، هي التي ينحني الظل أسفل عينيها ، هي الفتاة ذات رائحة القهوة والكوكاكولا وشاي الياسمين الأخضر ، هل رأيتها وظهرها متقوس باتجاه مفكرتها الصغيرة .. ص ) 58 (
بل يندفع ” محمد الضبع ” ويدعو للزواج من امرأة كاتبة ، لذلك هناك عدة أسباب ، حسب رأيه إذا وجدت فتاة تحب الكتابة ، فحاول إبقاءها بالقرب منك إذا وجدتها مستيقظة عند الثانية صباحاً تكتب بشراسة ، الفتاة التي تحب الكتابة ستحكي لأطفالك قصصاً بالغة الجمال والسحر ، لأن هذا هو أجمل ما تملكه ، لديها خيال ، ولديها الجرأة ، وسيكون هذا كافياً ـ سوف تنقذك في محيطات حلمها ، ستكون فارستك ، وستكون عالمك ، في انحناءة ابتسامتها، في اللون البندقي لعينيها ، في الكلمات التي تنهمر منها كالسيل ، كالموجة ، ساحرة الى درجة تجعلك تخسر أنفاسك لصالحها ، تلك هي الفتاة التي تحب الكتابة .. ص (60)
أظن أن الشاعر اليمني الشاب ” محمد الضبع ” استطاع أن ” يضبع ” المجتمع العربي الذي ما زالت الكاتبة تعيش فيه على حد الخوف والرفض والرقابة ورضى القبيلة ، ويقرعون طبول القتل والذبح واللوم حين تشعر القبيلة أن الكاتبة تخرج عن الخطوط التي رسمت ، فالكاتبة في المجتمعات العربية أشبه بدائرة النار التي يشعلونها في أفلام الغرب الأمريكي ، حيث يرقص الهندي حولها
حين يكتب الشاعر اليمني ” محمد الضبع ” عن المرأة الكاتبة ، يخون الفكرة السائدة التي كتبها عشرات الكتاب والنقاد العرب الذين استخفوا بالمرأة وأفكارها وكتاباتها ، بل هو يدعو الرجل العربي الى اختراق عالمها والعيش معها ، لأنها امرأة مميزة
حقاً فوجئت بالموضوع الذي طرحه ( أخرج في موعد مع فتاة تحب الكتابة ) لأنه يمشي ضد التيار السائد ، التيار الذي يعلن أن الكتاب قد مات ، وأن لا أحد يقرأ . وأيضاً أن المرأة مجرد جسد جميل يسعى لتجميله أكثر وأكثر أطباء التجميل .
الشاعر ” محمد الضبع ” يتسلل الى الصفحات البيضاء ، لا يرتكب حماقة الحب في الزمن الوحشي ، بل بكتابه هذا ينقذ العالم من وحشيته ، وينقذ المرأة الكاتبة من إحساسها بأنها ترتكب الخطأ وعليها إرضاء العائلة والزوج والمجتمع