….التهافت التهافت
ذكرني هذ العنوان الذي قاد به ابن رشد حملته في الرد على الغزالي بما هي عليه اليوم حالة الثقافة والمثقفين …كثرة الضجيج ولا طحين وكأننا نعيد الامس في أروع تجلياته فأرى اللحظة بعين الفرق الكلامية …وما صاحب حكم مرتكب الكبائر من كلام تأسست عليه مدارس في علم الكلام الذي يعيد منطق من الأسبق البيضة ام الدجاجة
السجال اليوم على أشده بين حداثة معطوبة وفكر تقليدي غارق في التباهي بإعادة لحظة الامس البعيد
مشكلة ان نعيش محنة هذا الفكر في لحظة يعيش فيها العالم المتقدم حالة من طرح الأسئلة المرعبة خاصة وهو يقف في وجه إعصار لم يعايشه العالم من قبل، إعصار كورونا …هذا التحدي الذي دفع ويدفع يوميا بعلمائه وفلاسفته إلى طرح أسئلة حارقة تخص مصير الانسان إبان وبعد كورونا
أما نحن فكلما اجتاحتنا أزمة إلا وتقوقعنا على الذات أو عدنا لأزمات الأمس نقيس عليها أزمتنا حتى وإن كانت القاعدة الفقهية تقول لا قياس مع وجود الفارق …أمام هذا المنزلق نجد الصراع على أشده بين منتصر لهذا ومنتقد للأخر وكأننا نريد ان نعيد الى الواجهة تاريخ المعتزلة والاشعرية …مشكلة نحن سواء فكرنا بعقلية رشدية او بعقلية اشعرية فإننا لا نعمل الا على إعادة لغة الطائفية والفرقة التي عملت على تكسير شوكتنا
في لحظة هذا اللغط أجدني عاجزا عن فهم هذه العقلية التي خصها الجابري بكتب كثيرة محاولا إبراز خصوصيتها …لا أدرى إن كان الماغوط محقا حين قال فيما معناه لقد أهدر الجابر وقته في دراسة مسالة غير موجودة عندنا
متى ندرك أن عدم احترام التخصص يقتل العلم …متى ندرك أن الدين يختلف عن المنهج العلمي …متى ندرك …للأسف الشديد نجد اليوم عالم الفيزياء تحول الى فقيه يتحدث في كل شيء عدا تخصصه…كما أن رجل الدين تحول إلى طبيب …إنها ازمة مركبة أنتجت أمية مركبة والنتيجة هو هذا اللغط …فلا الشاعر شاعر ولا الناقد ناقد ولا الفيلسوف فيلسوفا
اختلط الحابل بالنابل …. في زمني هذا لم أعد أفرق بين الطبيب والفقيه …فهذا فقيه ترك المسجد واعتلى المنبر وأصبح له اتباع ، تراه يتحدث بلغة الطبيب ويقدم الوصفات والعلاج للمرضى …وهذا طبيب اعتلى منبر الخطبة وتحول الى فقيه …متى نحترم التخصصات …متى ؟
في هذا الحجر الصحي رأيت مالم أكن اراه من قبل …كم يلزمنا من الفكر لنعيد ترتيب حقلنا الثقافي والفكري …كم؟