النفوسُ الواجمةُ خلفَ الشاشاتِ الزرقِ يكادُ يخنقها الزحامُ، علىٰ الرغمِ من ضبابيّةِ الرؤيةِ يظلّ محيطُ الأبصارِ يتّسعُ ويتّسعُ حتىٰ يناهز محيطاتٍ بأكملها، الشوارعُ خَلَتْ من مُريديها بينما أسواق شبكاتِ الاتصالاتِ في رواجٍ، الكُلّ متسمّرٌ ولسانُ حالِهِ: “مكانكِ تُحمدي أو تستريحي” يا لهذا الضجيج ما لهُ غير تجشّمِ عينِ النَصَبِ يموتُ الصوتُ ليعيشَ الصدى، يصرخُ القلبُ ليستقيمَ النبضُ، تنتحرُ الشمسُ ليستطيلَ الظلّ حتىٰ تختلّ سايكلوجيةُ الألوانِ فيستحيل الأزرقُ إلى سوادٍ. يختفي اللازوردُ فيحلّ ليلٌ بهيمٌ، فضاءٌ مفتوحٌ علىٰ الموتِ والحياةِ يكتنزُ كُلّ ضحكةٍ وصرخةٍ، كُلّ عَبْرةٍ ونبرةٍ يحلقونَ فيه علىٰ مراكبهم الورقيّةِ مستسلمينَ لهبوبِ الريحِ أنّى شاءتْ وكيفَ شاءتْ ترفعُ ضغثاً وينخفضُ أغثاءٌ تتوّجهُم مشاعلَ نورٍ علىٰ رخامِ الشمسِ أو تهوي بهم في عرضِ البحرِ الافتراضي. يبحرونَ بلا مرساةٍ بلا محامل ولا شراع يجذفونَ لا بأيديهم بلْ بخيالٍ سارحٍ في بحرِ الظلماتِ يومِئُ لهُمْ فيومضونَ، يناديهم فيسرعونَ لَهُ خفافاً.. فهُم لا يأبهونَ لانكساراتِ الضوءِ وتبدّلِ الفصول كلّما مَدّ الظلّ لهُم ذراعاً صافحوهُ بلحظهم من فوق السحابِ وهُم في لجّةِ البئرِ ينعمونَ كما الحروف كلّما لملمتْ نفسَها نَكّستْ سطرَها ومضتْ تسيرُ خلفَ نعشِها المحتوم .