ليس من المعتاد، أن يتناول الشاعر موضوع النقد، وهو يكتب نصا شعريا، لكن هذا اللاعتياد، يصبح معتادا، لغرابة القراءات الكثيرة، التي يقدم فيها الخبر على المبتدأ، كنموذج لغرابة وجود نوع من النقد، يراد له، أن يؤسس لمذهب شعري، لا مثيل له، في المناهج الادبية التي يتطلبها العصر.
وأعتقد، كما يعتقد الشاعر نفسه في النص، أن النقد كما هو، أو كما يجب أن يكون، هو مخاطرة، تحتاج إلى أدوات معرفية، تمكن المهتم من إعادة إنتاج النص، بناءا على معرفة أدبية خاصة ومتنوعة ثقافيا، تهدف أساسا، إلى معالجة الخطاب الأدبي، أيا كان نوعه، وبالأخص، ونحن هنا نتناول الخطاب الشعري، أقول، مخاطرة محسوبة المخاطر، تستوجب ذوقا حرفيا، يعالج النصوص الشعرية المختلفة، داخل الثقافة الواحدة، وخارجها أيضا، في إطار الثقافات المتعددة، ليتمكن بالنباهة والعلم والتنبؤ، في معرفة كيفية تسطير مواطن الجمال، في العمل الابداعي عموما، وفي النص الشعري خاصة، واستثناءا عن كل الإنتاجات الادبية المتعددة.
لأن النص الشعري، كنموذج متفرد، هو خطاب عائم بحكم رمزية اللغة، يتوجب بالضرورة، حداقة المختص لتبيان جماله، رغم مايفرض واقع الجمال، من نسبية في الجمال نفسه، لهذا، من هذا المنطلق، يؤكد النص الشعري من تلقاء نفسه، على أن منتهاه، وهو منكش في بنيته اللغوية، هو الجمال، الذي يتضمن شفرة رسالة انسانية، ذات قيمة وجودية، ولهذا السبب حصرا، فهو جسد، لا يمكن اقتحامه، دون مقدمات، والمقدمات من غير اطناب، هي أدوات معرفية مشتقة من علوم انسانية مختلفة، تمكن القارئ من استلام النص الشعري، ضمن ظروف سانحة، تستحضر بالضرورة شروط الانتاج، التي هي عديد من العوامل الكميائية، ما بين الذات باسرارها، واللغة بغموضها، والثقافة بمعارفها، أقول بأن استحضار هذه الظروف السانحة، كما هو مطلوب، تمكن القارئ الجاد والمهتم، بادراك خصوصية الذات المبدعة، بمتعها وعقدها وجمالها، لأن الشاعر، كمجدوب وهذا نعت فقط لتقريب المقصود، ينتج نصه، على شاكلة متصوف، يدرك عن وعي، وعن إصرار، ان ما في الجبة إلا الله، متصوف يغشاه في رعشته، تفاعل المادي والروحي، المدفون والمكتسب، حتى نستطيع كقراء، أن نميزه عن غيره من الناس.
من هذا المنطلق، فعملية اكتشاف الذات، وتفسير النص، تتطلب رؤية صريحة، تحليل العملية الابداعية بمنهجية، اقل ما يقال عنها انها متحررة، وأقصد هنا، أنها قد لا تساير في الكثير من الحالات، الدراسات الاكاديمية التقليدية، والمراد هنا، أن العملية النقدية، يجب ان تنطلق أساسا، من أن العملية الشعرية، هي الأخرى في آخر المطاف، تركيبة معقدة، من المعرفة الفكرية، والنسيج اللغوي، والبناء الجمالي.
لهذا على الناقد، أن يتمتع بالجرأة، التي تمكنه من حفر النص من مقبرة اللغة، وأن يتوفر فيه الهجوم، عن نفض التراب عن الرفات، حتى يكتشف الحقيقة، التي تستر الجمال وما أنتجه.
على هذا المنوال، أقتنع بوجهة نظر صاحب النص، الذي يدعو إلى نقد معاصر محترف يتطلبه الحاضر، بوجود نقد غريب، يسقط، عن سبق إصرار، المعرفة اللغوية على النص، دون كفاءة علمية، يتطلبها النقد الجديد، الذي يهدف أساسا، إلى فك شفرة الذات النص، تحت ظل فك شفرة الذات الشاعرة، حتى لا تصبح قراءة النص، وبشكل ضيق جدا، مجرد انطباعات بسيطة، لا تساهم من قريب أو بعيد، في الدفع بالنص الشعري، كجنس ادبي خاص جدا، إلى الارتقاء والتحول والتطور.