وحده شخص من عيار إدغار موران، قد يفصح عن مواقف جريئة: هكذا، خلال حديث خاص معه صبيحة اليوم، وبينما يدعوني إلى الاستطراد في الكلام، تراجع فجأة كي يدلي بالملاحظة التالية: “ألم تلاحظ بأن فيروس كورونا، يشبه الغيستابو. لا نراه قط. نعلم أنه يتسكع على مقربة منا. نأخذ مختلف الاحتياطات الممكنة بهدف تحاشيه. ثم سرعان، ما يباغتنا! لقد داهم المكان، فنتوارى هاربين… صاحبني الحظ كثيرا خلال ذلك الزمان”.
فقط أحد آخر المنحدرين من تلك الحقبة (مناضل كبير؛ وباحث كوني من الطراز الرفيع جدا، لم يتطلع أبدا إلى التألق سوى عبر مؤلفات مشروعه الفكري، الذي انطوى، على مؤسسات مدهشة من أجل فهم قضايا عصرنا، وما زال في وسعه دائما ذلك)، بوسعه السماح لنفسه أن يكشف عن مقارنة من هذا القبيل، لأنه عاش تلك الفترة بكل تفاصيلها.
فما هي تضمينات التشبيه الذي طرحه إدغار موران:
يعيش الإنسان دائما في إطار الجزع من أن يمسك به عدو ويهزمه، في نهاية المطاف: الموت.
يعمل أحيانا هذا العدو بكيفية متكتمة، لا سيما خلال لحظات انعدام الحروب، الأوبئة، أو التهديدات الإرهابية. خلال تلك الفترات، ينجح المجتمع في إخفائه ونسيانه وإنكاره، لحظتها يعيش المجتمع، مبتهجا ومتسليا ناسيا أمواته، لا يفكر أبدا في زيارة المقابر، ولا يتكلم قط عن الأموات، بحيث يركز اهتمامه على الجديد، ثم ينساه أيضا حينما يغدو قديما، يتطلع أساسا نحو التدفق، غير آبه بالذخيرة، وعما قريب سيختفي بدوره خلف ما تبقى من التدفق حينما يتحول إلى مجرد نفاية.
ثم أحيانا، يستحيل عدم إدراك وجود هذا الخطر، إما لأن العدو ماثل هنا، كما الشأن خلال زمن الحرب العالمية الثانية، أو لأن تهديدا إرهابيا يتجول، أو أن وباء قد تفشى، فيذكرنا الوضع ببداهة موتنا.
ما إن تمر فترة الخطر، ننسى ثانية ولا نتهيأ أبدا لعودته. ولا أيضا حتمية رحيلنا. أو مجرد بذل أقصى مجهوداتنا من أجل تأخيره. لكننا بكل بساطة نستمر في تجاهل أمره.
لكي نظل ضمن حدود ما يجري حاليا: فقد كان المآل متوقعا، وتنبأ به كثيرون منذ سنوات (وقد تحدثت عنه إلى جانب آخرين، خلال مناسبات عديدة، لا سيما بين صفحات كتاب أصدرته سنة 2009، بحيث حدست منذئذ، مشهدا قريبا من السيناريو الذي نتابعه آنيا.)
كان بوسعنا الاستعداد بشكل أفضل، لو راكمنا أساسا المعدات الطبية اللازمة، وكذا وسائل الحماية الفردية، ثم خاصة بشرا مؤهلين. مع التفكير بكيفية مختلفة في وسائل النقل، تنظيم المدن، منظومة العمل، وأشياء أخرى كثيرة.
ستنقضي فترة هذا الوباء، بعد أن تخلف آثارا، ما زالت معالمها بصدد التشكل، وفق متواليات مشهد فظيع، سيقضي على حياة عدد كبير من الناس، مثلما ستترتب عنه أزمة اقتصادية أكثر سوءا مقارنة مع التي عرفناها منذ سنة 1945 .
الأسواق التي استمرت في إطار انتشاء السنوات العشر الأخيرة، لم تتوقع أزمة اقتصادية من هذا القبيل، سياق يحتم على البنوك المركزية، ضرورة التدخل بكيفية حقا وازنة أكثر مما فعلته غاية الوقت الحالي، بهدف إنقاذ ما يمكنه أن يشكل ادخارا للأشخاص، يلزمهم لذلك، ضمان استمرارية النظام المالي، في خضم استنكار الشعوب الذين يوجهون إليه تهمة نجدته مرة أخرى، قبل الجميع، أولئك الذين يوظفون ادخار الأفراد من أجل تسليط الضوء على منتوجات وهمية، تمثل فقط أصول منافع واقعية بالنسبة لبعض المتنفذين.
سنهتدي على الأقل أخيرا مع هذه الأزمة، كي نصبح ناضجين، بمعنى متأهبين جدا ونعيد التفكير في نظام تطورنا؛ بحيث ننزع نحو التحلي بصفات الزهد، والصفاء، والاستنارة، والتسامح.
وخاصة، أن نطرح باستمرار على أنفسنا سؤالا يتعلق بمعرفة، مدى إنجازنا، فرديا وجماعيا، أفضل استثمار للزمن القصير المتوفر أمامنا للاستمرار على وجه البسيطة كي يعيش أبناؤنا أفضل منا، مثلما كتب خلال الحرب العالمية الثانية، العديد من المقاومين، في آخر رسالة إلى أفراد أسرهم، قبل إعدامهم رميا بالرصاص.