ها أنا أتبختر كسندباد فوق حصاني الأزرق يتحدث معي يحكي لي، وأنا أتخيـل نفسي فحلا مثله يصهـل ويسرق الـنساء.
وضعت عمتي برنوس الأفراح على كتفـي، في رجلي بلغة بيضاء كأنها قطعة ثلج، على رأسي شرف الملوك كلهم، النساء خلف حفلتي: يمسكن بين أناملهن شموعا وشموعا، يحدقن في سروالي المنقـوش، كأنهن يشجعن فاكهتي على اكتساح الروابي والمروج.. وكنت غبيا، لا أفهم ما خلف الستار.؟
وضعتني العمة في قعر ” القصعة.”
كمادة جامدة../
كلقـمة كسكس باردة..
كنت/
*******
صوت “الغـيطـة” والطبـل يرتفع مدويا، الإمام يشدني إليه بشدة كأنني مجرم، يدفن وجهي بين صدره وتلابيب جلبابه.
وهن بغنج يتغامـزن، خلف الباب الموصد يتنظرن صرخـة البطولة.
البخور يتعالى.
يرتفع بهدوء نحو أنفي..
خيـوطه العطرية تتيه من حولي، وتحجبني خلف الأسرار.
*******
ساذجا كنت هذه الليلة.
أطلق جدي حمامة بيضاء أمام بصري!
ولم أفهم..
قال لي:
-انظر إلى الحمامـة إنها تضحك لك.
وكنت غبيا كذلك..!
أعاد الإمام اعتقالي.. شل كامل حركتي بقبضته الثقيلة، ثم بلغ المراد.
بكيت بكاء لا ينسى..
تألمت حتى تردد الصدى.
قررت في داخلي ان أنمو بسرعة ك”طرزان” وأنتقم من وجه الشر الذي عذبني!
سألت نفسي:
لماذا خدعوني؟
لماذا غلفوا الشوكولاطة بالفلفل الأحمر.؟
عرفت أن الفرج يباع ويشترى. فهمت أن المكر من صفات هذا العالم.
*******
ضحك الإمام بمكر، أمي تختلط دمعتها بابتسامة عريضة وسط الجماهير الشعبية، يمتزج صوت الحيدوس بخليط الزغاريد والغناء الطري.
ألـم فظيع.. رحيق التوت ينساب من تحت سروالي.. أمي كذلك كانت ساذجة.. ترقص كما يفعلن. تمسك بقطعة ثوب مزركشة ب”موزون”، وتلوح بها بين هذا الرؤوس والأعناق
*******
ما زلن يرقصن، أمداح في كل فـم، رائحـة “الجاوي” المكي تبارك ولادة ذكورتي. أطل على حصاني من نافذة غرفتي.
بارك لي.. قال:
-يا صديقــي.
بعد أيام قادمة، ستكون سلطانا كاملا ومكمولا.. لن ترفضك الغزالات بعد الآن، لن يهربن من معطفك وشواربك، الغزالات يعشقن وخزة الأشواك، ستشتبك بغزوتهن ذات حول..
آه.
لو…
لسخر الطبيـب منك، واستهزأ بك “عنتر “
وكنت تافها كذلك..
أصــدق الخرافات والكلمات.
*******
بعد دقائق مرت ثقيلة..
طرقـت “إيطو” بابي، وضعت في فـمي مـرقا منكهـا ب”رأس الحانوت”، مـلأت خبزتي بـرؤوس البصل والزبيب الحلو..
تقـدمت إلى المعركة..
ألتهـم أفخاذ الدجاجـة البدوية الملونة بالتمر والتوابل،
افترست الألوان بشكل مضحك وبكثير من الفوضى.. صبت المــرأة الضخمة حليبا فـي طربوشي الأحمر، وشـربت..
*******
الـناس كنمل. سكارى الحومة. اللصوص. البؤساء./
الذئاب. القرود. النحل. الصعاليك. الصفوة./
الملحدون.. اليهود. النصارى./
كلهم حضروا.. يجلسون القرفصاء، يصارعــون الكسكس التقليدي، يشربون كؤوسا من شاي ونعناع، يسهرون في بيت قريبة من مسمعي.
دنا الإمام من سروالي التقليدي المذبوح.
همس لي
-احمـد الله.
ستصبـح إماما مثلي،
تكتب تمائم المحــبة لهن،
تعالج سعــال صدرهن فـي فصــل الشـتاء،
وسـوف تصير نمرا، يــزدرد الحلوى …
*******
أبي فـي الركن البعيد هناك، يلهو بالسبحة الطويلة، يتسلح بمنجل حادة ومسننة..
صمت ثم انفجر:
-اسمع أيها “الإمـام” الهرم..
أريـد أن يكون حظ أبني سعيدا..
إن لم ينتصر على العدو والعدوة..
فإني سوف أهشم عظامك القديمة بسلاحي هذا..
*******
وحالي يردد:
أيها الإمام:
حقـــا على يديك تعلمت أول الحروف والتراتيل، حقـــا أنت علمتني كيف أحفـظ ألواحي القرآنية في كل مساء وصباح.
أنـــت أنرت لي الطريق فتجلت لي آيات الحق وأمجاد السماء…
أنت سلمت لي المفــتاح.
لكن.. من أي القارات قــدمت لتحرق دماغي؟
*******
في المسـاء…
مـلأ الراقصون تاجي بلؤلؤ ومحار ومرجان، فاضـت الخيرات في مدني ودولتي، غرقت في نعيم الأمراء، تباهيت بكل البطولة.
اليوم..
أنا سلطان قريتي:
أخالني بين دقات الطبــول وأنغام المزامير حاكما ساميا يصـدر الأوامر العليا، وقـومي يسجدون تحت عرشي.
فجأة..
أقبلت “إيـطـو”..
مزقـت طربوشي الأحمر..
اخـتلست ثروتي..
صحوت.
-سألتها:
-أين خزائني يا بنت الثعلب؟
-ردت:
كن هادئا..
لماذا تزفـر؟
أتريد أن يفترسك الغول الذي يسكن في مغـارات “تازة”؟
-قلت:
– أريد تاجــي. وخزينـتي..؟
أيــن اللؤلــؤ.؟
أيــن المرجــان.؟
أيــن عــود زرياب؟
أيــن الدولارات والدراهم..
-قالت :
هي في أمن وأمان ..
عندما ستمر الايام،
سأشتري لـك قميصا بلا أزرار كي تطيرعاليا. عالـيا. هل زرت الأهرامات؟ هل اكتشفت بلد الغـول؟
-غضبت:
لا..
أنت تكذبين.. عندما ستموتين.. سيقــذف بك الحاكـم العام من أعلى القلعة. أنت لصة ماكـرة..
*******
واندمل الجرح يا سيــدي الإمام..
أتسمعني..
أما زلت حيا ترزق؟
شكـرا لك..
أنت، شجعـتني على تذوق أصابعهن.
شكرا، أنت حبيبي.. والحصـــان صديقـــي …